وشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا، هذا ما ينطبق على تصريحات الزعيم الإسرائيلي يائير غولان: “إسرائيل تتجه لأن تصبح دولةً منبوذةً بين الأمم، والدولة الطبيعية لا تخوض حربًا ضد المدنيين، ولا تقتل الأطفال كهواية، ولا تضع لنفسها هدفًا يتمثل في تهجير السكان. الحكومة مليئة بأشخاص تتملكهم مشاعر الانتقام، ولا أخلاق لديهم، وهي عاجزة وتشكل خطرًا على وجودنا”.أثارت هذه التصريحات الجريئة حفيظة المسؤولين الكبار في الدولة الصهيونية، حيث علق وزير الخارجية الإسرائيلي بأن تصريحات غولان “معادية لإسرائيل وجيشها”، بينما وصفها وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بأنها “افتراءات دموية معادية للسامية ضد دولة إسرائيل”. أما وزيرا الدفاع والاتصالات الإسرائيليان فكانا الأكثر انفعالًا؛ حيث دعا الأول إلى نبذ غولان لتشبيهه إسرائيل بالنازية، بينما وصفه الثاني بـ”الإرهابي” بسبب تهديده الأمن القومي الإسرائيلي.ومع اشتداد الحرب والحصار على غزة، وتجويع أهلها حتى الموت، بدأت بعض الدول الغربية مراجعة مواقفها الداعمة لإسرائيل. وكان آخر هذه المواقف إدانة قادة فرنسا وبريطانيا وكندا – بتحفظ – للحملة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، حيث اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقف هذه الدول بمثابة منح حركة حماس “جائزة كبرى”. في ظل نظام دولي فاقد للتوازن على مستوى قيم العدالة والسلام، تبرز إسرائيل كنموذج صارخ للدولة المنبوذة والمارقة أخلاقيًا وقانونيًا، ليس بسبب عزلتها الجغرافية والاقتصادية خارج المعسكر الرأسمالي الغربي فحسب، بل وبسبب ممارساتها العنصرية وانتهاكاتها المتكررة للقانون الدولي، عبر شن حرب إبادة ضد الفلسطينيين. منذ احتلالها لفلسطين عام 1948، ثم الضفة الغربية والقدس الشرقية عام 1967، لم تتوقف إسرائيل عن توسيع المستوطنات غير القانونية، التي يُعتبر بناؤها انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وفقًا لميثاق الأمم المتحدة. ورغم كل القرارات الدولية التي تدين الاستيطان، تواصل إسرائيل سياسة التهويد والإجلاء القسري للفلسطينيين. المثير للسخرية أن يصدر تصريح كهذا من نتنياهو الذي قال: “حان الوقت أن تتوقف قطر عن التلاعب بالرأي العام بخطاباتها المزدوجة، وأن تقرر إن كانت ستقف إلى جانب الحضارة أم إلى جانب همجية حماس!”. فقاتل الأطفال والنساء، ومرتكب المذابح في غزة – التي تجاوزت في وحشيتها جرائم النازيين بقيادة هتلر بحق الشعوب الأوروبية – يُعطي دروسًا في الحضارة وقيمها!”.قد يتخيَّل البعض أن إسرائيل لا تعاني من عزلة دولية أو منبوذية، نظرًا لما تحظى به من دعم اقتصادي وعسكري غير محدود من الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الكبرى في أوروبا. لكن الصورة الحقيقية في ضمير العالم تُجسِّد إسرائيل ككيانٍ مُلوَّث بدماء الفلسطينيين، بسبب جرائمها البشعة ضدهم.والسؤال الأكثر إلحاحاً: كم من الدماء الفلسطينية يجب أن تسيل كي تفقد إسرائيل حصانتها الدولية؟ فمنذ النكبة عام 1948، لم تنجح جرائم الحرب المتكررة – من دير ياسين إلى صبرا وشاتيلا إلى غزة 2024 – سوى في تعميق العزلة الأخلاقية للكيان الصهيوني. اليوم، بينما تحتل إسرائيل المرتبة الأولى في تقارير انتهاكات القانون الدولي، فإنها تحتل أيضاً مركز الصدارة في مقاطعات الأسواق العالمية وحركات المقاومة السلمية. هذه المفارقة تكشف زيف الادعاء الصهيوني بـ”الدولة الديمقراطية”، وتؤكد أنها لم تعد سوى دولة مخازي في ضمير الإنسانية.لذلك ما عادت إسرائيل قادرة على إخفاء حقيقتها كدولة مارقة تنتهك كل المواثيق الدولية. الشهادات تتراكم من داخل الكيان الصهيوني نفسه، والمواقف الدولية تبدأ بالتحول وإن ببطء، لكن رياح التغيير لا يمكن وقفها. التاريخ لن يرحم من يقف في الخندق الخطأ، ولن ينسى دماء الأطفال الفلسطينيين التي سالت على مذبح المشروع الصهيوني.