للبريد في البحرين سيرة وثّقها كتاب صدر تحت عنوان (سيرة البريد في البحرين) صدر في العام 2021 عن دار “فراديس للنشر والتوزيع” في حوالي149 صفحة، مع مجموعة كبيرة من الصور بيّنت علاقة صاحب السيرة المرحوم الأستاذ علي إبراهيم مطر بالبريد في البحرين وخارجها من خلال المؤتمرات والندوات والنشاطات والزيارات التي قام بها، عندما كان مديراً لهذه الإدارة منذ العام 1974 وحتى عام 1998.عكف الراحل علي مطر رحمه الله على تدوين هذا الكتاب بغلافه بالموضوعات الواردة فيه منذ العام 1953وحتى عام وفاته (1998)، وبلمسة وفاء وعرفان لأخيه قام الأستاذ مهدي مطر بإصداره بعد إطلاعه على مادة الكتاب، وخيراً فعل، فالكتاب يؤرخ لتاريخ خدمات البريد ليس فقط في البحرين وإنما في الخليج العربي، حيث كان علي إبراهيم مطر موفداً لإمارة أبو ظبي لأكثر من مرة منذ العام 1963 لتنظيم وتطوير الخدمات البريدية هناك.يحتوي الكتاب على تسعة فصول وخاتمة وملحق صور، توطئة كتبها صاحب المبادرة مهدي مطر، لخّص فيها موضوع الكتاب والهدف من إصداره بعد هذه المدة الطويلة التي ناهزت اثنين وعشرين عاماً من رحيل مؤلفه، ويصحّ القول إنّ الكتاب يعد مرجعاً للمهتمين والدارسين لتاريخ الخدمات التي قدّمها البريد منذ تأسيسه وعلى مدار تلك الفترة، أي قبل الطفرة التكنولوجية وعالم الاتصالات الرقمية، ومن هنا تكمن أهميته للبناء على ما سبق هذا التطور الحالي منذ أن كان البريد تحت الإدارة البريطانية قبل الاستقلال.بدأ المرحوم علي مطر العمل بالبريد في العام 1953، واستمرّ في هذا العمل حتى وفاته، ومن أجل تطوير مهاراته التحق بمعهد البريد العربي بالقاهرة ونال شهادة الدبلوم العالي في الدراسات البريدية، كما درس اللغة الفرنسية لأهميتها آنذاك في الاتفاقيات الدولية.يقول علي مطر “صار لي الشرف بأن أكون أولّ بحريني يتحمل مسؤولية خدمات الاتصال البريدية كاملة في دولة البحرين وذلك اعتباراً من 12 -12 – 1974 بعد أن كانت تُدار من قبل كوادر أجنبية لمدة استمرت تسعين عاماً متواصلة (1884 – 1973)، ومن المعروف عن علي مطر أنه كان حريصًا على توظيف البحرينيين وصقل مواهبهم في هذا المجال، من خلال تدريبهم وابتعاثهم في دورات تدريبية، فازداد عدد العاملين في البريد من 78 موظفاً، إلى 246 وكلّ ذلك خلال عشرين عاماً من تسلمه إدارة البريد، هذا إلى جانب ما قام به في إنشاء المكاتب والمنشآت البريدية المنتشرة في المدن والقرى.وعن تسلمه مهام عمله في أبوظبي في العام 1963 يقول علي مطر: “لم تكن مهمتي سهلة، ظروف معيشية صعبة، عمل غير منظم، أعمل بمفردي، لا أعرف أحد في الإمارة… إلخ ولكنني والحمد لله والشكر له وحده، تمكنت من مواجهة كل التحديات بدون استثناء”.هذه التحديات التي واجهها علي مطر في أبوظبي وثباته هناك رغم تلك الظروف الصعبة أعطته تجربة ومراساً وثقة، مما ساعده في تحمل مسؤولية إدارة البريد في البحرين بعد أن صارت الإدارة تقدّر مساهماته وإنجازاته ومثابرته مما أوصله إلى أعلى مرتبة وهو منصب مدير إدارة البريد، حيث بُعث في دورة تدريبية في بريطانيا في العام 1972 استمرت خمسة شهور من فبراير وحتى يونيو، وعلى الرغم من تلك المسؤوليات الجسام كان علي مطر مثابراً على القراءة، إذ يقول: “القراءة كانت في مقدّمة اهتماماتي بعد إنجاز عملي اليومي الذي كرّست حتى جزءاً من أوقاتي الخاصة للاهتمام به، ولأثبت أنني جدير بأن أتحمل المسؤولية كاملة غير منقوصة”.كان لاقتراح علي مطر إدخال العنصر النسائي في تقديم الخدمات البريدية أثر إيجابي في إشراك المرأة في هذا العمل، حيث صار للمرأة وظيفة أخرى كما في البنوك والشركات والوظائف الحكومية الأخرى، وبذلك عُينت أول امرأتين في شباك بريد المنامة، الأولى السيدة شمس محمد صالح والثانية السيدة أمينة غانم سعيد.إذن كان للمرحوم علي مطر دور ريادي بارز في مجالات تطويرية عدة ابتداءاً من العنصر البشري إلى الإداري، وأصبح البريد في حالة تطوّر دائم ومستمر، وأخذ بيد العديد من البحرينيين في تطوير مهاراتهم البريدية من خلال التدريب المستمر ليصبح البريد في عهده متقدماً أسوة بالدول التي سبقتنا في هذا المجال.من خلال قراءتي لهذا الكتاب القيمّ وجدت فيه معلومات مفيدة للقارئ “عن كل ما يتعلق بالعمل البريدي من طوابع ودورها لتكون أداة ووسيلة ثقافية ومعلوماتية وادخارية تحمل صوراً من تاريخ وتراث وبيئة الدولة التي تصدرها”، هذا إلى جانب الجداول المرفقة بالكتاب عن مشاركات البحرين في الاجتماعات العربية والدولية، وأسماء من مثّلوا البحرين في هذه المؤتمرات، وأوائل من عملوا في نظارة البريد من هنود وبريطانين وبحرينيين، كما يحتوي الكتاب على تاريخ إنشاء مكاتب البريد في المنامة والمحرق وعوالي والمنطقة الدبلوماسية ومدينة عيسى، إضافة إلى كيفية إصدار الطوابع وتواريخ إصدارها والغاية والهدف والمناسبة من الإصدار، ونوعية الإصدار إن كان تذكارياً أم خاصاً، كما تطرق الكاتب إلى الأشخاص الذين قاموا بتصميم الطوابع مثل الفنان عبدالله المحرقي والشيخ راشد آل خليفة وعباس الموسوي ومناحي مرزوق وعلي الشيخ بشير وأنس الشيخ ومحمود غريب وليوس مورلاند ودانيان مينولت.من خلال صاحب السيرة غطى الكتاب جميع المواضيع المتعلقة بالبريد، ورسم لنا لوحة جميلة وبشكل منظم عن البريد والقائمين عليه ومدى التطور الذي شهده، ووزّع الفصول بشكلٍ احترافي لإعطاء القارئ دفقاً من المعلومات يستطيع من خلالها تكوين صورة متكاملة عن وضع البريد قبل وبعد الاستقلال، كما أنّ الكتاب تضمّن صوراً نادرة لرسائل قديمة، وصوراً لطوابع ووثائق إدارية تعود لمنتصف القرن العشرين.هذا العمل التوثيقي المهم يستحق الثناء، كونه حصيلة عمل وتجربة مؤلف الكتاب التي امتدت لأكثر من أربعة عقود في هذا المجال المهم، ومرجعاً قيّماً للباحثين والمهتمين بتاريخ الخدمات البريدية في البحرين والخليج العربي. الرحمة لصاحب السيرة المرحوم علي إبراهيم مطر والشكر للأخ مهدي مطر على جهده في إصدار هذا الكتاب الذي وثّق جانباً مهماً من ذاكرة البحرين.