زيارة ترامب..الشرق الأوسط إلى أين؟!

0
25

من السابق لأوانه الحكم على نتائج زيارة رئيس الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترامب لمنطقة الخليج، والتي أتبعها بعد أقل من ثلاثة أيام باتصال دام لأكثر من ساعتين مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ناقشا خلاله إمكانية وقف إطلاق النار في الحرب الأوكرانية الروسية، وسبق كل ذلك الاتفاق الأولي بين الولايات المتحدة والصين حول تعقيدات التعرفة الجمركية الجديدة، والتي ألقت بثقلها على العديد من الأمور بين الجانبين وحول العالم بالنسبة للوضعين الاقتصادي والتجاري، وزادت بدورها من حالة الاحتقان القائمة أصلا بين القطبين الأميركي والصيني، حيث ارغمت إدارة ترامب أخيراً على التوافق بتأجيل البت في قضية التعرفة لفترة لا تقلّ عن التسعين يوما، لحين التوافق فيما بين القطبين، وذلك نظراً لقوة رد الجانب الصيني على تلك المحاولات الأميركية.أقول من السابق لأوانه الحكم على الحركة النشطة لإدارة ترامب ديبلوماسياً وسياسياً وتجارياً ومنذ تدشين ولايته الرئاسية الثانية، وذلك لعدة أسباب ربما تتعلق أساساً بعدم وضوح الرؤية للجميع تقريبا بمن فيهم حتى الإدارة الاميركية ذاتها، والتي دللت خلال الأشهر الأربعة المنصرمة أنها سرعان ما تتراجع عن ما تفصح عنه من نوايا وبرامج، بعيداً عن تلك الشعارات الانتخابية العابثة التي زايد عليها ترامب وتمّ تسويقها على أنها كفيلة باستعادة عظمة اميركا، كما حمل ذلك شعار الحملة الانتخابية الرئاسية ذاتها، والتي تهيأت لها الفرص بصورة تكاد تكون غير مسبوقة، حيث تمتلك هذه الإدارة حالياً أغلبية مريحة في مجلسي الشيوخ والكونجرس، الأمر الذي يعطيها فرصة تاريخيّة قبل موعد الانتخابات الفصلية القادمة لفرض أجندتها الإنتخابية بطريقة تكفل تحقيق جانب كبير من تلك الشعارات رغم الكثير من التحديات والمصاعب التي تواجهها، في عالم يتجه بقوة نحو استعادة تعدديته القطبية، وإن بصورة مغايرة. ومن بين تلك التحديات ما حدث للعالم من تحوّلات من الصعب العودة عنها فقط بمحاولات شكلية لإظهار حسن النوايا، هو ذلك الذي يجري الآن لأقرب حلفاء أميركا، ونعني بهم دول الاتحاد الأوروبي، حيث تلتئم تلك الدول مع من خرج من تحت عباءتها، كبريطانيا في اجتماعات اقتصادية وعسكرية وأمنية تحسباً لما هو قادم، فيما أطفئت للتو حرباً كانت ستكون مدّمرة بكل معنى الكلمة بين الهند وجارتها باكستان، وذلك بطلب عاجل من الأميركيين أنفسهم، ولو مؤقتا على الأقل، فيما تسارع الإدارة الأميركية لإطفاء نزاعها مع جماعة الحوثي في اليمن تحاشياً لأي تصعيدات متزايدة بإغلاق باب المندب وبقية الممرات المائية المرتبطة بالحركة عبر وحول البحر الأحمر، ولكي لا نغفل أهمية الاجتماعات الماراثونية غير المباشرة بين الأميركيين وجمهورية إيران الإسلامية حول الملف النووي الإيراني، والذي يبدو أن أمامها عراقيل عديدة قادمة، بعضها تشعل فتيله طبيعة الخصومة وانعدام الثقة المعلنة بين الطرفين، وبعضها الآخر من خلال محاولة حكومة الاحتلال الاسرائيلي إشعال فتيله عنوة حتى لا يتبقى أثر لأي استقرار في المنطقة.أمام هذا المشهد المتداخل والمعقد إلى أبعد الحدود جاءت زيارة الرئيس ترامب لثلاث من دول منطقتنا الغنية بالنفط، وسط تكهنات سبقت تلك الزيارة بالإعلان عن أمر مهم سيعرفه العالم لاحقاً من خلال الرئيس الاميركي، إلا أن المبالغة في الطابع الاحتفالي رسمياً وإعلامياً ربما أفسدت مهمة التركيز المنتظرة من المتابعين، الذين ربما توقعوا من تلك الزيارة، التي وصفت بالتاريخية، من أنها على الأقل ستوقف، ولو مؤقتاً، الحرب الدامية على شعبنا في غزة، باعتبار ذلك مطلب عربي طالما تكرر في القمم العربية الأخيرة، ومعه مطلب حل الدولتين، إلا أن ذلك لم يحظ على الأقل بنصيب وافر من تفاصيل الزيارة، وربما بات علينا أن ننتظر لنسمع الكثير من التفاصيل غير المعلنة، رغم أننا سمعنا بملء آذاننا إزدياد دوي القصف والمدافع والوحشية الصهيونية حال انتهت زيارة ترامب للمنطقة، حيث عاد المشهد في غزّة أكثر دموية، كما ارتفع معدل عدد الشهداء والجرحى اليومي للمئات، فيما تضع حكومة الاحتلال خطة زمنية جديدة لما اسمته إعادة احتلال قطاع غزة بأكمله وتهجير كامل سكانه!هنا يبدو أن الصمت الرسمي العربي يحتاج بالتأكيد إلى وقفات ومراجعات عاجلة، ففي خضم ما يجري في عالمنا من تحولات كبرى أليس أجدى أن نعرف كشعوب على الأقل إلى أين تسير دولنا العربية وإلى أي مصير، فها هي سوريا تواجه خطر التقسيم والاحتراب الداخلي، فيما تستمر السودان في الحرب العبثية دون توقف، وها هي تركيا كما دولة الكيان الاسرائيلي تعبث يميناً وشمالاً في أرضنا العربية، والكل يتحدث عن تقسيم قادم للعراق الذي عقدت فيه منذ أيام آخر قمة عربية، وكذلك هو الحال مع طرح مفهوم جديد بدأ يتبلور في الأوساط السياسية حول إعادة هيكلة منطقتنا الخليجية سياسياً وجغرافياً، فيما نجهل نحن كشعوب عربية وخليجية إلى أين تتجه المنطقة بأسرها ؟! أسئلة نطرحها بألم برسم المشهد العربي، والدعوة تتجه هذه المرة مجددا للنخب والسياسيين وقادة الرأي في عالمنا العربي الذي بات مهمشاً وبعيداً عن إمكانية التأثير والحضور في المشهد الإقليمي والعالمي، لم تشفع لنا تلك الثروات التي تزخر بها أرضنا العربية، ولم تشفع لنا حتى ممالئتنا لقوى الهيمنة العالمية لنجد أنفسنا مشروعاً جاهزاً للتقسيم ومزيداً من الاحتراب والتدمير والنهب، وسط دعوات رسمية لا تصمد أبداً أمام هكذا تحديات عن مشاريع تنموية لا تأتي وإن أتت فإن خيراتها تذهب بعيداً وبعيداً جداً.

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا