هل شاخت الماركسية ؟

0
4

عندما يدور نقاشٌ حول النظرية الماركسية في أوساط المثقفين وتحديداً من يحمل الفكر الماركسي، يطرح السؤال: هل مازالت الماركسيةُ صالحةً أم شاخت، في ظل عالم يتطور بشكل مذهل، ويشهد تطورات علمية هائلة في عالم التكنولوجيا وصولاً إلى الذكاء الاصطناعي؟تعاطى ماركس مع العلم، لهذا جاءت أفكاره وفق منهجية علمية، وليست مجرد فرضيات. فعلى ماركسيي اليوم البحث عمَّا هو جديد لتشكيل إضافة للفكر الماركسي الذي يستند في تفسيره للعالم على العلم والمعرفة، وليس عبثاً قيل إن النظرية الماركسية ليست لتفسير العالم بل لتغييره، وطالما وجد استغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وغابت العدالة الاجتماعية والمساواة ستبقى الأحزاب الماركسية تناضل من أجل التغيير المنشود، حاملة الراية الماركسية جيلاً وراء جيل لتحقيق ذلك الهدف الأسمى، من هنا تبقى الماركسية ملهمة للملايين من العمال والكادحين في العديد من بلدان العالم، فالرأسمالية بأعلى وضعها الاقتصادي والعسكري وصولاً إلى الإمبريالية المتوحشة ليست قدرَ البشرية، ومن يعتقد هذا مخطئ، وعلى الماركسيين دراسة التجربة الصيننية والاستفادة منها .عندما اكتشف ماركس قانون تطور المجتمع منذ بدء التاريخ ربطه بشكل ديالكتيكي بنشوء المجتمعات من المشاعية البدائية وصولاً إلى المجتمع الرأسمالي، فهذا علم ، وفي عرضه لقانون التطور التاريخي قال ماركس: “إنَّ البشر، أثناء الإنتاج الاجتماعي لمعيشتهم ، يقيمون فيما بينهم علاقاتٍ معينةً ضروريةً مستقلةً عن إرادتهم، وتطابق علاقات الإنتاج هذه درجة معينة من تطور قواهم المنتجة المادية”.وكان ماركس يدرس التاريخ لمعرفة التغيرات التي حدثت في العالم، هو الذي درس الفلسفة الألمانية، خاصة هيغل وفيورباخ واستفاد منها في الترابط الديالكتيكي للمادية الجدلية، كما درس الاقتصاد البريطاني والاشتراكية الفرنسية.من هنا على الماركسيين في يومنا هذا الاستفادة من المعارف العلمية والإنسانية في تطوير المفاهيم والمصطلحات لتتعاطى مع الواقع الملموس، فماهو صالح لما قبل مائة وخمسين أو مائتين سنة بحاجة إلى تطوير، فالعلم يتطور بشكل سريع، حتى وإن وجدت مفاهيم ثابتة كالصراع الطبقي طالما بقي التفاوت بين الأفراد في المجتمعات، واستمرت الطبقة الرأسمالية أو الإليجارشية المالية تستحوذ على كل شيء في المجتمع، والطبقة العاملة والكادحة لا تملك غير أجرها. يقول ماركس: “إنَّ التاريخ هو تاريخ الصراع الطبقي”، فهو المحرك الأساسي للتاريخ.عندما انتصرت الثورة البلشفية بقيادة فلاديمير إيلتش لينين وسقط النظام القيصري في روسيا في أكتوبر من عام 1917 حُورِبَت الثورة الاشتراكية من الأعداء الداخليين والخارجيين ولكنها صمدت في وجه كل المؤامرات، وفي الحرب العالمية الثانية هزم الجيش الأحمر السوفياتي الجيش النازي الألماني في التاسع من مايو 1945، وبرز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى ومعه دول المنظومة الاشتراكية، ولكن القوى الرأسمالية عملت طوال تلك العقود التالية على إنهاء النظام الاشتراكي، وتحقق لها ذلك في نهاية الثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي.حذَّر لينين قائلاً: “إنَّ السلاح الأخير في يد الإمبريالية والرأسمالية هي أبستمولوجيا المعرفة التي سوف تعمل على هدم الأسس النظرية للمعرفة بسبب فشلها في ربح المعركة الفلسفية والمنطقية مع المادية الجدلية و المادية التاريخية”، وكتب أحدهم قائلاً: “لا تزال الفلسفة السياسية لكارل ماركس ذات صلة بالعالم الحديث، لأنّها تقدم عدسة نقدية يمكن من خلالها فحص وفهم ديناميكيات السلطة، وعدم المساواة والتغيير الاجتماعي. إن تحليل ماركس للرأسمالية وتأكيده على دور النشاط البشري والأمل يتردد صداه مع المناقشات الجارية حول العدالة الاقتصادية وحقوق العمال، والسعي إلى مجتمع أكثر إنصافاً، حيث لا تزال الفوارق في الثروة وعدم المساواة قائمة وقد أشعلت أفكارُه حركاتٍ وثوراتٍ، حيث يسعى الأفراد إلى خلقِ مجتمعٍ يعطي الأولوية لرفاهية جميع أفراده”.يعالج أحد الأبحاث المنشورة اطروحات وأفكار لشخصيات يقال عنها بأنها ماركسية من أمثال رالف داهرندروف وفرانك باركن ودافيد لوكود، تتناول كيف حافظت الماركسية المحدثة على المضمون الماركسي مع تعديل مفهوم الصراع، وسعت لتطوير علم الاجتماع مركزة على عناصر الصراع والتغيير.نبدأ باستعراض بعض أفكار ما يطلق عليها الماركسية المحدثة، حول تحديث أفكار الماركسية الكلاسيكية التطويرية التي اتخذت من الصراع مدخلاً وظيفياً للعديد من الظواهر الاجتماعية والثقافية والاقتصادية المتغيرة، بالدعوة إلى: “أن يقوم علم الاجتماع ويطور ذاته عن طريق دراسة لعناصر الصراع والتغيير.”وهناك اتجاه ينظر إلى المجتمع على أنه نسق معياري ويركز على العوامل الاجتماعية، واتجاه طبيعي يسعى لتفسير الصراع بالاهتمام بالأسباب الاجتماعية والثقافية الكامنة التي بسببها يظهر الصراع في وجود حاكم ومحكوم وآمر ومأمور داخل المجتمع، فكما هو معروف أينما وجدت القوة والسيطرة وجد الخضوع والاستغلال، إن هذه السيطرة والقهر وما يجعل من التنظيمات الاجتماعية متسقة، هو نفسه يدفع إلى التمرد والتغيير الاجتماعي وإعادة تقسيم القوة وتمركز السلطة، فالصراع دائماً ما ينشأ بين مواقع السلطة ومواقع الخضوع. وعليه فالصراع دائماً ما يتولد من علاقات السلطة إلى علاقات الانتاج كما يقول ماركس. عن نشوب الصراع، ومن وجهة نظر ماركسية، فإن قضية العدالة الاجتماعية تعد متغيراً بنيوياً في إنارة الصراعات الاجتماعية طالما أن هناك توزيع غير عادل للثروة .باركن والصراع في المجتمعات الحديثةجاءت أفكار فرانك باركن حول القيم والصراع في أحد مؤلفاته المهمة عن اللامساواة والطبقية والنظام السياسي والتدرج الاجتماعي في المجتمعات الرأسمالية والشيوعية كمحاولة للعودة إلى أفكار وتصورات ماركس الأصلية، حيث حاول تحليل المصادر الاجتماعية المؤدية للاستقرار في المجتمعات الحديثة معتبراً أن سببَ الصراع راجعٌ إلى الامتيازات التي تتمتع بها فئة دون أخرى، وإلى الاختلافات في القيم وفي الوعي بين الطبقات في المجتمع مما يولد حراكاً اجتماعياً .ستبقى الأفكار الماركسية مؤثرة في المجتمعات، طالما هناك وجود للصراع الطبقي واستغلال الإنسان لأخيه الإنسان، وغياب العدالة الاجتماعية والتوزيع غير العادل للثروة، وانعدام المساواة والديمقراطية، فالنظرية الماركسية فلسفة وعلم يتطوران باستمرار بفضل إبداعات المفكرين الماركسيين بقراءة “الواقع الملموس” مثلما قال عنه ماركس. لهذا الماركسية لن تشيخ، ومن يعتقد ذلك عليه مراجعة أفكاره ومواقفه .

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا