عن تعثر الإصلاح السياسي العربي

0
24

يمثل الإصلاح السياسي العربي تحديات جسيمة بالنسبة للنظم السياسية العربية. ذلك لأنه لو أخذ بمعناه الحقيقي، أي الانتقال من السلطوية إلى الديمقراطية، لاقتضى ذلك تعديلات جوهرية ليس فقط في بنية النظام السياسي نفسه، ولكن في بنية المجتمع بكافة مؤسساته. والنظم السياسية عمومًا – وفقًا لتصنيف معتمد – تنقسم إلى نظم شمولية، تقضي بالكامل على مكوّنات المجتمع المدني من أحزاب سياسية واتحادات ونقابات مهنية وجمعيات تطوعية، وإلى نظم سلطوية فيها هامش نسبي من الحركة أمام المؤسسات الاجتماعية، وإلى نظم ليبرالية يتاح فيها لمؤسسات المجتمع المدني أن تنعم بحرية كاملة في النشاط. في حديثه عن تحديات الإصلاح السياسي العربي ، يقول الكاتب والمفكر الراحل السيد ياسين ، تصبح عملية التحول الديمقراطي عبارة عن الانتقال التدريجي أو السريع – بحسب الأحوال – من النظم الشمولية والسلطوية إلى الديمقراطية والليبرالية، وهذه العملية ليست هينة ولا ميسورة. فسواء تمت تحت ضغط شعبي عنيف، أو بناء على اختيار طوعي وحرّ من قبل النخب السياسية الحاكمة، فهي تحتاج إلى استراتيجية فعالة، تضع في اعتبارها فى المقام الأول القوى السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المناصرة للتغيير والمتحمسة لإجرائه، حتى لو أدى ذلك إلى المساس ببعض مصالحها الطبقية أو التقليل من نفوذها السياسي. ومن ناحية أخرى لابد لهذه الاستراتيجية أن تلتفت إلى عملية مقاومة التغيير التي ستتصدرها فئات متعددة، من بينها بعض أنصار النظام القائم حفاظًا على نفوذها السياسي وامتيازاتها الطبقية. وتصبح هناك حاجة لوضع سياسات تحيّد هذه المقاومة للتغيير بطريقة سليمة وليس بالأسلوب الأمني. غير أن السلطوية السياسية هي أحد جوانب السلطوية المتعددة ، لأن هناك أيضًا سلطوية اجتماعية وسلطوية ثقافية.والسلطوية الاجتماعية تبدو في صورة هيمنة طبقة اجتماعية محددة أو شريحة اجتماعية مؤثرة على باقي الطبقات الاجتماعية. وقد تكون هيمنة هذه الطبقة تجد جذورها في التاريخ أو في التقاليد أو في الوضع السياسي، ولكنها في جميع الأحوال تقوم بدور سلبي للغاية، لأنها يمكن أن تجمد الوضع الاجتماعي، بل أنها قد توقف التطور الحضاري للمجتمع.أما السلطوية الثقافية فهي تلعب في المجتمع العربي أدوارًا سلبية متعددة. ذلك أن بعض التيارات الثقافية كالإسلام السياسي تقوم على تكفير من لايؤمن بمنطلقاته ومبادئه، وينهض على أساس التحريم والتكفير، ويريد أن يفرض على المجتمع رؤية للعالم تتسم بالانغلاق والتزمت، وتتصف بمعادة الآخر والحض على كراهيته بل والجهاد ضده، سواء كان هذا الآخر عربيًا مسلمًا، ولكنه علماني أو ليبرالي، أو كان غربيًا أوروبيًا أو أمريكيًا. وهذه السلطوية الثقافية تقوم في الواقع- حتى لو لم تستخدم العنف – بالإرهاب المعنوي للمجتمع.وهكذا يتبين من العرض السابق أن السلطوية لها وجوه بشعة متعددة، الوجه السياسي، والوجه الاجتماعي، والوجه الثقافي. غير أنه يمكن التأكيد أن البداية بالإصلاح السياسي هي الخطوة الأولى الحاسمة لمواجهة السلطوية الاجتماعية والسلطوية الثقافية.غير أن الإصلاح السياسي العربي يتنازعه في الواقع تياران: تيار الأنظمة السياسية الحاكمة التي تدعو للتدرج، وعدم الخضوع للضغوط الخارجية، وتيار المعارضة العربية الذي يرفض ذريعة التدرج، ويدعو إلى صفقة شاملة للإصلاح، لا تتضمن فقط إلغاء قوانين الطواري والمحاكم الاستثنائية والتشريعات المقيدة للحريات العامة، ولكن تشترط أن تعلن خطة متكاملة للإصلاح فيها مراحل زمنية محددة، والتزامات تنفذ في كل مرحلة، حتى لو كان الإصلاح السياسي يبدأ بتغيير الدستور القائم، أو وضع دستور في البلاد التي ليس فيها دستور، يحدد العلاقات بين الحاكم والمحكومين ويُبين بوضوح وجلاء الحقوق والواجبات. ثمة سؤال يطرحه الكاتب والمحلل السياسي مروان المعشر، وهو ، لماذا يتعثّر مسار الإصلاح في العالم العربي ؟ وفي تقديره تتعدّد أسباب قبوع العالم العربي في حالة ركود بشقّيها التنموي والإصلاحي وعلى مستوى الحوكمة. يستشهد البعض بتاريخ الدول العربية على صعيد الاستعمار، كما يشكّل الصراع العربي- الإسرائيلي عائقًا ومبررًا لعدم المضي قدمًا. علاوة على ذلك، لم تعطِ الأحزاب القومية في العالم العربي، في فترة ما بعد الاستقلال، مسألة الإصلاح أي اهتمام، وركّزت معظم اهتمامها على الصراع العربي- الإسرائيلي، ومنذ العام 1967 وانتصار إسرائيل على الدول العربية، فَقَد الخطاب القومي صدقيّته وإثر ذلك راح الإسلام السياسي يكتسب زخمًا يومًا بعد يوم.يواجه العالم العربي اليوم، وفقًا لتقارير صادرة عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وضعها باحثون عرب، ثلاثة تحديات تحول دون المباشرة في عملية الإصلاح السياسي: الأول هو الحكومات والتنوّع السياسي، والثاني هو تمكين المرأة، ويتبلور الثالث في الفجوة المعرفية بين العالم العربي وبقية العالم. إضافة إلى ذلك، يجب أن تكون هناك عملية إصلاح مستمرة وتدريجية وجدّية من شأنها أن تضمن توافر جميع الدعائم اللازمة للديمقراطية . تُعد التنمية الاقتصادية جزءًا أساسيًا من عملية الإصلاح السياسي في أي دولة، كما أن للتنمية الاقتصادية حدودها من دون إصلاح سياسي. ففي نهاية المطاف، لا يمكن جذب الاستثمارات الأجنبية من دون وجود سلطة قضائية مستقلة، تضمن أن تُتاح للناس محاكمة عادلة عندما تنشب النزاعات. كما أنه لا يمكن محاربة الفساد من دون صحافة حرة، أو نظام قضائي مستقل، أو برلمان قوي. لذلك عندما يتمّ التحدّث عن التنمية الاقتصادية في معزل عن الإصلاح السياسي فإن ذلك في حدّ ذاته لن يؤدّي إلى حدوث تقدم مستدام على صعيد الإصلاح في العالم العربي.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي

ترك الرد

من فضلك ادخل تعليقك
من فضلك ادخل اسمك هنا