معلقات في أروقة المحاكم ينتظرن الإنصاف

0
70

موضوع قديم يتجدد بين فترة وأخرى، شكوى النساء من الحالات المنظورة في المحاكم الشرعية البحرينية، وتعسف القضاة والمماطلة في تطليق المرأة.  مؤخراً أُطلقت حملة “معلقات ينتظرن الإنصاف” لدعم النساء البحرينيات المعلقات اللواتي يبقين على وضعهن لسنوات لا هن مطلقات ولا هن متزوجات، ولتسليط الضوء على معاناتهن ورفع الضرر الواقع عليهن في المحاكم الشرعية، وإنصافهن من المساومة على حريتهن بمبالغ خيالية.  كما تهدف الحملة الضغط لتعديل قانون أحكام الأسرة خاصة في الشق الجعفري، ووضع الحلول السريعة لهذا الموضوع المؤرق للنساء.

وبسبب تعنت الزوج ورفضه الطلاق، تلجأ المرأة إلى خيار (الخُلع) مقابل التخلص من زواج بائس. إن هذا النوع من الطلاق يعني أن تتنازل المرأة عن كامل حقوقها في النفقة، ومسكن الزوجية، وحضانة الأطفال.

وعرّف قانون أحكام الأسرة البحريني الموحد في الفصل الثالث (المخالعة) في المادة (95) بأن الخُلع هو “طلب الزوجة إنهاء عقد الزواج مقابل عوض تبذله للزوج”، ووفقًأ للفقه السني (أن يكون الخُلع بعوض تبذله الزوجة على أن يكون في حدود ما أعطاه الزوج من مهر)، فقد تم تحديد التعويض المادي بالمهر نفسه، وجعل أمر الطلاق للقاضي في حال تعنت الزوج ورفضه الطلاق،  أما بالنسبة للفقه الجعفري (للزوجة أن تطلب إنهاء عقد الزواج بالخُلع ببذل منها ورضى من الزوج) فلم يحدد العوض الذي تبذله الزوجة، بمعنى أن الزوج هو الذي يحدد المبلغ دون تدخل القاضي، ولا يجوز للقاضي تطليق المرأة دون موافقة الزوج.

وهنا أصل المشكلة، حين يفاوض الرجل على الطلاق مقابل مبالغ مالية كبيرة، في أغلب الأحيان أكثر بكثير مما قدمه للزوجة من مهر وخلافه، وأيضاً أكبر من قدرة المرأة المالية، وإذا لم تستطع الدفع يتم تعليقها لسنوات طويلة.

إن بعض حالات الخُلع فيها استغلال للمرأة، ويرجع ذلك لغياب ضوابط تعويض البذل، فهناك أزواج يطالبون الزوجة بدفع مبالغ خيالية وغير مستحقة مقابل الخُلع، ولأن الطلاق لا يقع إلا بموافقة الزوج، تضطر الزوجة لدفع أي مبلغ يطلبه الزوج مقابل الحصول على حريتها. وهناك حالات عديدة اضطرت فيها الزوجة لدفع مبالغ طائلة تصل إلى آلاف الدنانير مقابل الخُلع، ما ينعكس سلباً عليها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والنفسية.

إن مواد قانون أحكام الأسرة الموحد المتعلق بالطلاق والخُلع تنطوي على تمييز ضد المرأة وعدم إنصاف لها، فعندما تطلب المرأة الطلاق فإن الأمر يستغرق سنوات في المحاكم، في حين يستطيع الزوج أن يطلق زوجته بقرار منفرد، ودون موافقتها ولا يشترط حضورها أيضًا، حيث تنص المادة (81) (تقع الفرقة بين الزوجين: أ) بإرادة الزوج، وتسمى طلاقاً)، نجد أن نفس المادة تنص في البند ب على: (تقع الفرقة بين الزوجين بطلب من الزوجة وموافقة من الزوج مع بذل العوض، وتسمى مُخالعة)، أي لا يقع الطلاق إلا بموافقة الزوج، وبعد حصوله على المال لإنهاء الزواج.

إن إعطاء حق الطلاق للرجل فقط، فيه تعسف وظلم للمرأة في إنهاء الحياة الزوجية بمزاج الزوج ودون سابق إنذار ودون علمها، وقد يساء استخدامه من البعض.  أضف إلى ذلك، أنه بعد أن يتم طلاقها سواء بعلمها أو دون علمها وموافقتها فإن القانون يسمح له بإرجاعها ما دامت في العدة وذلك حسب نص المادة (93) (للزوج أن يرجع مطلقته من طلاق رجعي ما دامت في العدّة، ولا يسقط هذا الحق بالتنازل عنه)، وهذه المادة مشتركة بين الفقهين السني والجعفري.

رأى قانون الأسرة الموحد النور في 2017 بعد انتظار طويل ومطالبات بسن قانون الأحوال الشخصية من قبل الجمعيات النسائية والناشطات النسويات البحرينيات، لحل العديد من القضايا الأسرية العالقة في المحاكم الشرعية ومنها الطلاق، إلا أن التطليق والخُلع مازال صعبًا، ومازالت هناك العديد من  النساء المعلقات اللاتي يمضين سنوات طويلة إما في انتظار قرار القضاة لتطليقهن، أو الجلوس مكرهات في منزل زوج يعنفهن أو يهجرهن. 

في هذا القانون أعطت المادة (98) في باب التطليق للضرر والشقاق (أ- للزوجة طلب التطليق للضرر الذي يتعذر معه دوام العشرة بين الزوجين)، وفي نفس المادة (د- إذا عجز القاضي عن الإصلاح وثبت الضرر حكم بالتطليق). وعلى الرغم من أنه يحق للمرأة قانوناً طلب الطلاق، إلا إنه في أغلب الأحيان يرفض الزوج التطليق، ولا يزال القضاة يمارسون السلطة التقديرية عند منح الطلاق للضرر، وتبقى المرأة معلقة لسنوات تصل بعضها لأكثر من 15 سنة دون وجه حق.

إن قضية النساء المعلقات من القضايا المُلحة التي يجب الالتفات لها وإيجاد حلول جادة لإنهائها، بإعادة مراجعة القوانين والتشريعات وتعديل موادها.  ويبقى السؤال: لماذا لا يُعطي للمرأة حق الحصول على الطلاق في حال عدم رغبتها في استمرار الزواج؟ لماذا تكون مسألة البت في الطلاق في يد الرجل فقط ودون اللجوء للمحاكم؟ لماذا يرتبط طلاق المرأة بإثبات الضرر وبشهود، وغالبًا ما تكون المرأة عاجزة عن إثبات الضرر، خاصة إذا كان الضرر سوء المعاملة أو صعوبة في التفاهم بين الطرفين؟ لماذا لا يحق للقاضي تطليق الزوجة، أوتحديد عوض البذل المناسب؟

لا شك أن الطلاق أفضل من استمرار زواج غير متكافيء، ينعدم فيه التفاهم والاستقرار بين الزوجين، والذي يؤثر سلباُ على الأبناء وعلى المجتمع،  ولإنهاء معاناة النساء في المحاكم الشرعية،  فإننا نطالب بإصدار قانون موحد للمذهبين، تعدل فيه المواد وتوضح بشكل مفصل، خاصة فيما يتعلق بطلاق الخُلع، وإلغاء السلطة التقديرية التي تمنح للقضاة في تحديد درجة الإساءة للتطليق، كما ندعو لرفع تحفظ البحرين على المادة (16) من اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة والتي صادقت عليها في 2002، والتي تمنح المرأة حق الطلاق المساوي لحق الرجل، وتنص المادة على “تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في كافة الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات العائلية، وبوجه خاص تضمن، على أساس المساواة بين الرجل والمرأة”.