في لقاء أجرته معي إحدى الصحافيات المتخصصات في مجال الطاقة في مجموعة سبوتنيك الإعلامية الروسية يوم الاثنين 18 أكتوبر 2021، استفسرت الصحافية العربية/ الروسية عن أبعاد تصريح رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا في ذات اليوم، بأن بلاده ستحث منتجي النفط على زيادة الإنتاج – أجبتها قائلا، بأن هذا التصريح وقبله تصريح وزير الصناعة الياباني يوم الجمعة الفائت واتصال وزير الخارجية الياباني بنظيره الكويتي أحمد ناصر المحمد الصباح والطلب من بلاده، كعضو في أوبك، أن تحث أوبك وحلفائها على استقرار أسعار النفط – يعكس أولا حالة قلق الحكومة اليابانية المتنامي من الارتفاع الكبير الذي تسجله أسعار النفط وتأثيراتها التي بدأت تظهر على قطاعات أساسية في الاقتصاد الياباني، لاسيما قطاعات النقل والمواصلات، والزراعة، والصيد البحري.
وهناك ارتباك ياباني واضح في التعاطي مع هذا الموضوع، في الشكل والموضوع. ففي الشكل كان الأجدى من رئيس الحكومة اليابانية الجديد (تسلم منصبه في 4 أكتوبر 2021)، بدلا من مطالبته وزراء حكومته التواصل مع وكالة الطاقة الدولية (IEA)، للعمل على حمل منتجي النفط على زيادة انتاجهم، أن يتوجه مباشرة الى عواصم القرار لائتلاف “أوبك بلس”، وتحديدا الرياض وموسكو. فقد صار واضحاً أن روسيا والسعودية اللتين تنتجان مع مجموعه 22 مليون برميل يوميا (11 مليون برميل لكل منهما)، هما اللتان، من خلال كل من وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ونائب رئيس الوزراء الروسي وزير الطاقة السابق ألكسندر نوفاك، تشكلان اليوم السياسة الإنتاجية لسلعة النفط في سوق البترول الدولية، بنسبة توازي ما تضطلع به اليوم “أوبك بلس” من حصة وازنة (أكثر من 50%) في اجمالي الإنتاج النفطي العالمي البالغ اليوم حوالي 95 مليون برميل يوميا. لكن يبدو أن رئيس الوزراء الياباني تجنب ذلك، على الأقل مع روسيا بعد أن تسبب فور تسلمه منصبه في اثارة غضب الكرملين بمطالبته روسيا بإعادة جزر الكوريل التي ضمها الاتحاد السوفييتي اليه ثمناً لعدوان اليابان عليه في الحرب العالمية الثانية.
ثم لا ننسَ أن “أوبك بلس” محكومة اليوم باتفاق العام الماضي الذي قضى بإحداث خفض هائل في الإنتاج اعتبارا من 1 مايو 2020 بواقع 9.7 مليون برميل يوميا رداً على الاغلاقات الاقتصادية التي سببتها جائحة كورونا في العالم، قبل أن تخففه لاحقا الى 7.7 مليون برميل يوميا، و7.2 مليون برميل تواليا، وتلحقه باتفاق يوليو الماضي الذي قضى بزيادة الإنتاج بواقع 2 مليون برميل يوميا حتى ديسمبر 2021، بواقع 400 ألف برميل شهريا ابتداءً من شهر أغسطس الماضي. ومن المقرر أن يتم اغلاق ملف كامل هذا الخفض بحلول سبتمبر 2022. حينها (في حوالي شهر سبتمبر الماضي)، كان لازال هنالك فائض في السوق قدرته اللجنة الفنية المشتركة لأوبك بلس (حينها) بحوالي 1.4 مليون برميل. علماً بأن اتفاق الخفض للعام الماضي يمتد لغاية ديسمبر 2022 بعد أن كان لغاية أبريل 2022.
كما أن الائتلاف يتجه في شهر مايو 2022، لاعتماد توزيع جديد للحصص يشمل دولة الإمارات والسعودية وروسيا والكويت والعراق، حيث ستزيد دولة الإمارات بموجبه حصتها من 3.168 مليون برميل الى 3.5 مليون برميل (اعتبارا من مايو 2022)، وستزداد حصة كل من روسيا والسعودية بواقع نصف مليون برميل، والعراق والكويت بواقع 150 ألف برميل لكل منهما.
لكن قبل ذلك كان هناك اجتماع لائتلاف أوبك بلس، مقرراً عقده يوم الرابع من شهر نوفمبر القادم. وكان من المتوقع على نطاق واسع، أن ينظر الائتلاف ويأخذ بعين الاعتبار ارتفاع أسعار النفط بهذه الصورة الكبيرة.
لكن ما حدث بعد ذلك بصورة فاجأت الأسواق وأطاحت بكل الخطط المسبقة، سواء من جانب المنتجين أو المستهلكين، قد غير المشهد النفطي تماما. فتحت ضغط أصوات الناخبين الأمريكيين في الانتخابات النصفية التي ستُجرى يوم 8 نوفمبر 2022، وارتفاع معدل التضخم الى حوالي ثلاثة أضعاف السقف المسموح به من قبل مجلس الاحتياطي الفدرالي الأمريكي، والذي راح يقضم من الدخول الحقيقية للمواطن الأمريكي، بمساهمة جزئية من أسعار النفط المرتفعة الى ما فوق حاجز الثمانين دولارا للبرميل من خام القياس “برنت” – بتأثير من هذه التطورات، طلب رئيس الولايات المتحدة من روسيا والسعودية، قطبي أوبك بلس، زيادة المعروض النفطي لتنفيس الأسعار؛ ولما وجد عدم استجابة لطلبه، أعلن إن واشنطن ستضخ 50 مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي في السوق، وإنها تنسق مع بعض الدول الحليفة لها مثل بريطانيا وكوريا الجنوبية واليابان (وذكر الصين أيضا، مع أن الصين كانت قد قررت قبل واشنطن اللجوء لمخزونها الاستراتيجي). لكن كانت ردة فعل الأسواق معاكسة، إذ ارتفع سعر البرميل 3 دولارات. ولولا الكشف الفجائي عن المتحور الجديد لفيروس كوفيد-19 (أوميكرون)، لما فقد سعر البرميل 11 دولارا في جلسة واحدة بفعل الذعر المتجدد الذي أشاعه المتحور الجديد، قبل أن يستعيد توازنه ويراوح حول 70 دولارا – ما حدث بعد ذلك، أعاد حسابات أطراف التنازع الهيدروكربوني الدولي. فكان أن آثر ائتلاف “أوبك بلس” تأجيل اجتماعه المقرر الشهر الماضي، والانتظار لحين الوقوف على مآل المتحور الجديد من فيروس كورونا الذي تسبب في اغلاقات جزئية لعدد من القطاعات الاقتصادية الحيوية، لاسيما قطاع النقل والمواصلات، حيث تم وقف رحلات الطيران مع عدد من بلدان القارة الافريقية، وقطاع السياحة والسفر.
على خلفية هذه التطورات، عقدت منظمة الأقطار المصدرة للبترول “أوبك” اجتماعا يوم الأربعاء 1 ديسمبر 2021، تلاه في اليوم التالي مباشرة اجتماع ائتلاف أوبك بلس، تمحورا حول اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان الائتلاف سيواصل العمل باتفاقه السابق الذي قضى بزيادة معروضه النفطي بإجمالي 2 مليون برميل يوميا، بواقع 400,000 برميل يوميا، اعتبارا من شهر أغسطس 2021 حتى نهاية ديسمبر 2021، أم سيكبح الامدادات في ضوء تقهقر سعر البرميل الى ما دون السبعين دولارا (سعر خام برنت يوم الخميس 2 ديسمبر 2021، ارتفع قليلا الى 70.18 دولار مع توقع الأسواق لقرار أوبك بلس بوقف العمل بالزيادة الشهرية للمعروض النفطي، بناءً على توقعات اللجنة الفنية في الائتلاف مطلع الأسبوع الجاري بوجود فائض في السوق قدره 2 مليون برميل يوميا حتى الربع الأول من عام 2022).
لكن أوبك بلس خالفت كل ذلك، وقررت في اجتماعها يوم الخميس 2 ديسمبر 2021، مواصلة العمل بحيثيات اتفاقها السابق، بإضافة 400 ألف برميل يوميا أخرى في السوق في شهر يناير المقبل. وهو قرار يرمي على ما يبدو الى انهاء مفاعيل قرار الرئيس الأمريكي بضخ 50 مليون برميل في السوق، واحتفاظ الائتلاف، حصريا، بمبادرة التحكم في عملية موازنة العرض والطلب في السوق بما يحقق سعر البرميل المستهدف للائتلاف. وفور اعلان الاتفاق، ارتفع خام غرب تكساس الوسيط
(West Texas Intermediate – WTI)، بنسبة 1.46%، الى 66.53 دولار، وارتفع خام برنت بنسبة 1.35%، الى 69.80 دولار. وقال الائتلاف إنه “اتفق على أن الاجتماع سيظل منعقدا انتظارا لمزيد من تطورات الوباء ومواصلة مراقبة السوق عن كثب وإجراء تعديلات فورية إذا لزم الأمر”. ومن المقرر عقد الاجتماع التالي المقرر بانتظام للائتلاف في 4 يناير 2022.
وبحسب أمينة بكر، رئيسة مكتب دبي لشركة “Energy Intelligence” لمعلومات وبيانات الطاقة، فإن اجمالي انتاج الدول الأعضاء في ائتلاف “أوبك بلس”، سيكون في شهر يناير 2022، 40.494 مليون برميل يوميا، موزعة على النحو التالي: المملكة العربية السعودية وروسيا بحصة متساوية مقدارها 10.122 مليون برميل يوميا لكل منهما، العراق 4.281 مليون برميل يوميا، الإمارات 2.916 مليون برميل، الكويت 2.585 مليون برميل، المكسيك 1.753 مليون برميل، نيجيريا 1.683 مليون برميل، كازاخستان 1.572 برميل، أنغولا 1.406 مليون برميل، الجزائر 972 ألف برميل، سلطنة عمان 812 ألف برميل، أذربيجان 661 ألف برميل، ماليزيا 548 ألف برميل، الكونغو 300 ألف برميل، البحرين 189 ألف برميل، الغابون 172 ألف برميل، جنوب السودان 119 ألف برميل، غينيا الاستوائية 117 ألف برميل، بروناي 94 ألف برميل، السودان 69 ألف برميل.
وعودٌ على بدء نقول، قد تكون اليابان تعاني بشكل حاد من الارتفاع الأخير في سعر برميل النفط، حيث وصل خام برنت يوم الثلاثاء 19 أكتوبر 2021 الى 84.24 دولار للبرميل. لكن معاناة اليابان ليست ناجمة فقط من هذا الارتفاع، وإنما من طول فترة الاغلاقات جراء وباء كورونا. كما أن سيطرة الاتجاه الصعودي على السوق لا يقتصر فقط على النفط، وإنما يشمل كافة أنواع السلع، لاسيما الغاز والألمنيوم الأوّلي (Primary aluminum)، الذي وصل يوم الثلاثاء 19 أكتوبر في سوق لندن للمعادن (LME) تسليم 3 أشهر، الى أكثر من 3000 دولار للطن المتري الواحد.