عصر رأسمالية الكارثة

0
16

بقلم: محرر مجلة Monthly Review

ترجمة: غريب عوض

اُجريت هذهِ المقابلة مع John Bellamy Foster في أوائل شهر أكتوبر وظهرت لأول مرة في عدد نوفمبر 2021 من مجلة Irish Marxist Review تحت عنوان “حالة الطوارئ الكوكبية”: ما العمل الآن؟ تم تكييفهِ للنشر هُنا.

John Molyneux and Owen McCormack: بالنظر إلى طقس الصيف القاسي وتقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ (IPCC) ، ما مدى سوء الأمور الآن؟ ما رأيك في النطاق الزمني للكارثة وماذا تعتقد أن الكارثة ستبدو عليه؟ هل الأمور أسأ مما يزعم تقرير (IPCC) الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ؟ وحذر البعض من ضمنهم مايكل مان Michael Mann، من “سيناريوهات يوم القيامة” التي قد تردع الناس عن فعل أي شيء. برأيك ، هل يوم القيامة هي الحقيقة التي يجب قولها للناس؟

John Bellamy Foster: بالطبع، يجب علينا تجنب الترويج لـ”سيناريوهات يوم القيامة” بمعنى تقديم رؤية قاتلة للعالم. في الواقع، إن الحركة البيئية بشكل عام والإشتراكية البيئية على وجه الخصوص تدور حول مكافحة الإتجاه الحالي نحو التدمير البيئي. وكما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش Antonio Guterres مؤخراً فيما يتعلق بتغيّر المناخ، فقد أصبح الآن “رمز الإنسانية الحمراء”. هذهِ ليست توقعات يوم القيامة بل هي دعوة للعمل.

لا تزال كلمة كارثة غير كافية في عصر رأسمالية الكارثة الحالي. أصبحت الكوارث الآن في كل مكان، مُنذُ أن أمتدت إلى نِطاق الكوكب نفسه. نشهد الآن في جميع أنحاء العالم سلسلة من الأحداث المناخية الحادة التي ترجع في جزء كبير منها إلى تغيّر المناخ، وكلٌ منها تُصنّف على أنها “كارثية” من خلال السوابق التاريخية، وأحياناً تقع خارج نطاق ما كان يُعتقد سابقاً أنهُ ممكن مادياً. الظروف القاسية التي شهدها هذا الصيف في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية – من ضمنها الفيضانات في أوروبا؛ وإعصار عايدة في الولايات المتحدة، والذي لم يقتصر على تدمير مدينة نيوأورلينز فحسب، بل إنتهى بهِ الأمر أيضاً إلى قتل الناس في فيضانات في نيويورك ونيوجيرسي؛ ومن الواضح أن تفاقم الجفاف وحرائق الغابات في كاليفورونيا وساحل المحيط الهادئ بأكمله بالولايات المتحدة يمثلان شيئاً جديداً نوعياً.

أحدث تقارير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، هوتقريرها التقيمي السادس: يوضح أساس العلوم الفيزيائية أن مختلف الظواهر المناخية والظروف المناخية القاسية تميل إلى التعقيد، كما هو الحال في حالات الجفاف والتصحر (تضخم الغُبار) وتآكل التُربة وحرائق الغابات وضعف الرياح الموسمية، من ناحية، وذوبان الغلاف الجليدي، من ناحية أُخرى، يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر، والعواصف الضخمة، والفيضانات إلى تكثيف وتوسيع هذهِ الأحداث الكارثية، والتي ستبدو وكأنها تأتي من كل مكان في وقت واحد. علاوة على ذلك، فإن العواقب البشرية تزداد عمقاً مع ارتفاع درجات الحرارة، مما يُقلل من إنتاج الحبوب في العالم ويضع ضغوطاً على الإمدادات الغذائية العالمية؛ ويُساهم تغيّر المناخ، جنباً إلى جنب مع تدمير النظام البيئي من خلال الأعمال التجارية الزراعية، في ظهور أمراض حيوانية المنشأ الجديدة، مثل COVID-19 (إلى جانب العديد من المخاطر الصحية الأُخرى)؛ تعرضت مجاميع سكانية كاملة في المُدُن في جميع أنحاء الكوكب لفيضانات غير مسبوقة؛ احتمال وصول اللاجئين بسبب المناخ إلى مئات الملايين؛ والعديد من العواقب الوخيمة الأُخرى، المفروضة على الأجيال الراهِنة والمُقبِلة.

وتُخبِرُنا الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ IPCC، التي لديها سِجل التحفظ العلمي، أن ما سنراه في العقدين المُقبلين، وفي الواقع خلال هذا القرن، تزايد الكوارث والتحول نحو نظام الأرض غير الآمن بشكل مُتزايد للبشرية، حتى في أكثر السيناريوهات تفاؤلاً. وبالتالي، في أكثر السيناريوهات “ورديةً” التي قدمتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ IPCC، فإن السيناريو الوحيد من بين سيناريوهاتها حيثُ يُتوقع أن تصل الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية في نهاية القرن الحادي والعشرين إلى أقل من 1.5 درجة مئوية، وهو أفضل ما يمكن أن يكون المأمول بهِ هو حالة يتم فيها منع زيادة 1.5 درجة مئوية حتى عام 2040 ولا ترتفع درجات حرارة العالم إلا بمقدار عُشر درجة فقط بعد ذاك، بحيثُ بحلول نهاية القرن أو بداية القرن المُقبل، يمكن خفض الزيادة في متوسط درجة الحرارة العالمية عن مستويات ما قبل الصناعة إلى 1.4 درجة مئوية، مما يُبعد البشرية عن منطقة الخطر الشديد. والنقطة المهمة هي أنهُ حتى في السيناريو الأكثرُ تفاؤلاً والذي سيتطلب ثورة بيئية عالمية من جانب البشرية من أجل تحقيقها، مما يؤدي إلى بلوغ انبعاثات الكربون ذروتها في منتصف هذا العقد وتحقيق صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050، الكارثة المناخية الشاملة التي تواجهها الإنسانية ستكون رهيبة للغاية.

السيناريو الأكثر تفاؤلاً الثاني هو البقاء دون زيادة بمقدار 2 درجة مئوية (في حدود 1.7 درجة مئوية) وهذا سيتطلب ثورة بيئية عالمية. والسيناريوهات الثلاثة الأُخرى التي طرحتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ هي أساساً لا يمكن تصورها، وتعبير نهاية العالم مُناسب لها. في الواقع، نحن حالياً نتجه نحو السيناريو الأكثر مروعاً للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ، حيثُ سيرتفع متوسط درجات الحرارة العالمية لهذا القرن في “أفضل تقدير” بمقدار 4.4 درجة مئوية، وهو ما يعني، وفقاً للتقييمات العلمية الحالية، إنهيار الحضارة الصناعية، مما يُثير تساؤلات لبقاء الإنسان على كوكب الأرض. في بيان يُنذر بالسوء تم تسريبهِ من الجزء الثاني من تقرير التقييم السادس، حول “التأثيرات”، والذي لن يتم نشرة حتى شُباط/فبراير، تقول الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ أنهُ إذا تم دفع البشرية إلى الإنقراض خلال “الإنقراض السادس” الناجم عن أسباب بشرية، فإن التطور سوف لن يُعيد الجنس البشري إلى الوجود مرة أُخرى.

تكمن المشكلة في أننا إذا تجاوزنا زيادة بمقدار 1.5 درجة مئوية، وخاصةً بعد زيادة بمقدار 2 درجتين مئوية، فإن المزيد والمزيد من آليات ردود الفعل المناخية، مثل فقدان الجليد في القطب الشمالي وبالتالي إضعاف تأثير البياض (إنعكاس الأرض)، إطلاق غاز الميثان وثاني أُكسيد الكربون من ذوبان التندرا، وحرق غابات الأمزون في البرازيل وسيؤدي تدهور المحيط بإعتبارهِ بالوعة مناخية إلى تفاقم مشكلة المناخ وخلق حالة لا رجعة فيها، مما يزيد من احتمال تغيّر المناخ الجامح الذي من شأنهِ أن يتغذى في الواقع على نفسه، إلى الحد الذي يُصبِح فيه وجود البشرية نفسه موضع شك.

لا تزال هناك إمكانية تجنب تغيّر مناخ كارثي كامل على مستوى يُهدد وجود الإنسان بِرُمتهِ. ولكن لتحقيق ذلك سوف يتطلب تغييرات ثورية في العلاقات الإجتماعية، وفي التكنولوجيا وأساليب عيش الإنسان. إن مثل هذهِ الثورة ستكون في حاجة لأن تبدأ ضمن النظام الرأسمالي ولكنها ستتجاوز رأس المال. ليس هناك سبيل آخر. وكما أشار كارل ماركس، إن النضال ضد الرأسمالية ليس هو مجرد تحقيقاً لحرية الإنسان، بل هو أيضاً تأكيداً على بقاء الإنسان.

لدي الكثير من الإحترام لعمل Michael Mann حول تغيّر المناخ ومعركتهِ ضد إنكار المناخ المُطلق لليمين. لذلك فوجئت بِرؤية هجماتهِ على اليسار على أنهم “مُتشائمون” في كِتابهِ الأخير بعنوان “حرب المناخ الجديدة“. ويبدو، بإعترافهِ هو، أنهُ قد تأثر بما أسماه هجمات “الغوغاء” عليه من قِبل أتباع نعومي كلاين Naomi Klein، بسبب تشكيكه في معارضتها لأسواق الكربون (كما لوكانت الرأسمالية الخضراء هي الحل). لقد أنتقدَ بشدة عالِم المناخ البريطاني كيفن أندرسون Kevin Anderson لِمزاعمهِ بأن عِلم المناخ الليبرالي السائد كان شديد الرضا عن النفس وأن هُناك حاجة للإطاحة بهيمنة الإقتصاد السياسي الحالي، كما لو أن هذا لم يكُن واضحاً تماماً في هذهِ المرحلة. كان Michael Mann شديد الإنتقاد لخطة السنتور بيرني ساندرز Bernie Sanders الصفقة الخضراء الجديدة، وقدم بسذاجة وجهة النظر القائلة بان جو بايدن Joe Biden “رائداً في مجال تغيّر المناخ”. لاشك أن Michael Mann يعرف العِلم جيداً، وهو يستحق الإهتمام بهِ في هذا الصدد. ولكن يبدو أنهُ ليس لدية فهماً بأي شكل من الأشكال للعلاقات الاجتماعية القائمة للإنتاج الرأسمالي، مما دفعهُ إلى استبعاد كلُ من يُشير إلى الضرورة المُلِحة لمحنة العالم الحالية، المُتجذرة في طبيعة نظامنا الإجتماعي، على أنهُ مُجرد “مُتشائم”. الحاجة إلى تغيير القواعد الإجتماعية للعبة كما لو كانوا يستسلمون، ببساطة عن طريق الإصرار على الحاجة إلى تغيير اجتماعي جذري. ومن الواضح أنهُ يعتقد أن هناك نهجاً مُعتدلاً ومسؤولاً ومُستنيراً قائماً على النظام الإقتصادي السياسي القائم وأعمال النُخب السياسية الراسِخة، والابتعاد عن ذلك هو أن تكون “إنهزامياً” و “مُحبَطاً”.

يحضُرِني هنا إشارة ماركس في كتاب “رأس المال” أن عُلماء الطبيعة غالباً ما “يُغامرون بشكل عشوائي تماماً” وبدون فهم عندما يتجاوزون مجالات خبرتهم المُحددة، ويُقدمون أنفسهم كسُلطات في المسائل الإجتماعية، والتي لا يكلفون أنفسهم عناء أخذها بجدية أو التحقيق فيها. لاتنشأ مشكلة المناخ (وطوارئ نظام الأرض بشكل عام) من عمليات الأرض بشكل مُباشر، وإنما من المحركات الداخلية لنظامنا الإجتماعي والإقتصادي المُعاصر، أي الرأسمالية. إن الفشل في فهم طبيعة الرأسمالية يعني أنهُ لا يمكن للمرء أن يُقدم الكثير فيما يتعلق بتنظيم العمل الإجتماعي والحلول.