انتفاضة مارس والوحدة الوطنيّة

0
27

تمرّ في هذا الشهر، مارس/ آذار، الذكرى السنوية لانتفاضة مارس 1965المجيدة التي انطلقت احتجاجاً على الإجراءات التعسفية بتسريح أعداد كبيرة من العاملين في شركة النفط “بابكو”، فهبت الطبقة العاملة البحرينيّة محتجة، وتضامن معها طلبة ومثقفو البلاد وكافة الشّرائح والفئات الاجتماعيّة الكادحة، في الانتفاضة التي استمرت شهورا قدّم خلالها شعبنا تضحيات غالية، حيث سقط الشّهداء الأبرار من مختلف مناطق البحرين بدءاً من المحرق مروراً بالمنامة وصولاً إلى الديه ونويدرات وسترة وسواها من مناطق البلاد.

وفي ذلك دلالة عميقة على الوحدة الوطنية للشعب لتحقيق الأهداف المشتركة، وهذه كانت إحدى التقاليد الإيجابية التي تكرست في العمل الوطني في البلاد منذ حركة هيئة الاتحاد الوطني في خمسينيات  القرن نفسه، أي قبل نحو عقد من انتفاضة 1965، والتي استطاعت القوى الوطنيّة المنظمة التي نشطت في البلاد بصورة سرية ومن مختلف الاتجاهات والتّيارات الوطنيّة الدّيمقراطيّة والقوميّة أن تعززها وترسخها في وجدان الشعب من خلال خطاب وطني وديمقراطي عام يربط النضال الوطني بأبعاده الاجتماعيّة وبالقضايا المعيشيّة المباشرة للمواطنين، كما بات النضال الوطني أكثر صلة وارتباطاً وتفاعلا مع نضال حركة التّحرر الوطني العربيّة من أجل الحرية والاستقلال والدّيمقراطية.

واذا كانت انتفاضة مارس 1965 قد عكست الثّقل العددي والنّوعي للطبقة العاملة في المجتمع البحريني على خلفية الحراك الاجتماعي – السّياسي الذي نشط منذ الخمسينات خاصة، فإنها قد تحولت إلى انتفاضة وطنيّة شاملة كل المناطق والفئات دون استثناء، واستطاعت أن تحقق بعض أهدافها في إعادة العمال المفصولين إلى أعمالهم.

 الآثار العميقة لهذه الانتفاضة ستمتد لاحقاً وستظهر في بنية وأداء الحركة الوطنية البحرينيّة وفي خبراتها النّضاليّة والتّنظيميّة وفي تعزيز خطابها السياسي والفكري وازديادها نضجاً. وانعكست روح انتفاضة مارس ودروسها في مجمل المسيرة الوطنيّة اللاحقة التي أدت إلى نيل البلاد استقلالها الوطني وفي سَنّ أول دستور في البلاد وإقامة حياة نيابية عام 1973، التي سبقها مباشرة التحرك العمالي المجيد في مارس 1972 بقيادة اللجنة التّأسيسية لاتحاد العمال والمستخدمين وأصحاب المهن الحرة.

الدرس البليغ الذي تقدّمه الانتفاضة في ظروفنا الرّاهنة هو درس الوحدة الوطنيّة، التي تعرضت للاهتزاز والتصدع في مراحل تالية، وتفاقم الوضع في العقد الأخير، ما يجعل من استعادة هذه الوحدة مسؤولية وطنيّة ملحة أمامنا كمجتمع وكقوى وتيارات سياسيّة وكمؤسسات مجتمع مدني.