تحتفل كل شعوب العالم وعمالها وكادحيها بالأول من مايو عيداً للعمل، حيث اعتبر عطلة رسمية في غالبية دول العالم، وجاء ذلك نتيجة لتضحيات التحرك العمالي في بدايات الثورة الصناعية، فاول تحرك كان في استراليا عام 1856 للمطالبة بزيادة الأجور، وبعد ثلاثة عقود من الزمن تبلور الوعي العمالي وجاء منظماً من خلال الاتحادات النقابية التي انطلقت في شيكاغو وكاليفورنيا وواجتها الشرطة، فراح ضحية هذه المواجههة عدد من القتلى واعتقال النشطاء من النقابيين، بالرغم من أن مطالبهم تحددت فقط برفع الأجور التي كانت متدنية وتحديد ساعات العمل الى ثمان ساعات، وكان لليسار والشيوعيين من العمال المهاجرين من ألمانيا وإيطاليا، وأوروبا عامة، بصمات كبيرة في هذا الإضراب كوسيلة ضغط لتحقيق مطالبهم، إلا أن نتيجة ذلك أدى إلى سقوط العديد من الضحايا.
وفي ذكرى الضحايا والقتلى تبنى المؤتمر الأول للأممية الثانية الذي انعقد في باريس عام 1889 الدعوة لاعتبار الأول من مايو عيداً للعمال، حيث وجه رئيس وفد اتحاد نقابات العمال في أمريكا إلى المؤتمر الدعوة إلى تظاهرات في كل العالم في الأول من مايو من كل عام تضامناً مع من سقطوا من ضحايا شيكاغوا وكاليفورنيا، وبالفعل اعتمد الأول من مايو كعيد للطبقة العاملة تحتفل به كل شعوب العالم.
على صعيد مملكتنا الحبيبة فكان للاحتفالات بالأول من مايو طابع مختلف، بالرغم من نصّ قانون العمل لعام 1954 على الحق في تشكيل النقابات، إلا أن هذا القانون تمّ تجميده، لكن عمالنا في كل مواقع الإنتاج كانوا يحتفلون بعيد العمال بشكل سري خوفا من عيون رجال الأمن السري المتواجد في كل المواقع، فكانت توزع الحلوى والشوكولاته، وتُلف بداخلها ورقة صغيرة كتب بداخلها كل عام وانتم بخير – عيد الطبقة العاملة، وكان الإحتفال الرمزي البسيط تعبيراً عن قوة تضامن العمال واتحادهم، اما الاحتفالات في المناطق السكنية فتمّ تنظيمها من قبل أعضاء ومناصري جبهة التحريرالوطني في أحد البساتين البعيدة عن أضواء رجال الأمن، حيث شملت الأناشيد والأغاني الأممية والعمالية ومن بينها اغاني فرقة “الطريق” العراقية واغاني الفنان اللبناني مارسيل خليفة وغيرها من الأغاني الشعبية، وبعدها يتم تناول الغذاء أو الوجبات الخفيفة، وفي نهاية النهار يعاهد الرفاق بعضهم بعضاً على مواصلة نضالهم وتطوير أساليبه.
أول احتفال رسمي وبشكل علني بالأول من مايو كان في عام 1974، فترة الحياة البرلمانية الأولى، وبدعم من كتلة الشعب البرلمانية المدعومة من جبهة التحرير الوطني، حيث تمّ تنظيمه بشكل سريع بعد الحصول على الموافقة التي جاءت قبل 48 ساعة فقط من موعد الاحتفال الذي أقيم في ساحة نادي البحرين الرياضي والثقافي بالمحرق، وخلال المهرجان تمّ القاء الكلمات من قبل بعض النقابيين مثل عبد الواحد أحمد رئيس نقابة “ألبا”، وفاطمة غلوم نائب رئيس نقابة الصحة وغيرهم من الوطنين ومع انتهاء الفعالية تحركت الجماهير الى نادي راس الرمان المعد مسبقا لهذا الاحتفال حيث ألقى الدكتور عبد الهادي خلف كلمة عن تاريخ وهموم الحركة العمالية الناصعة بالتضحيات .
في آيار المجيد .. عطلة رسمية نريد
أما الاحتفالات الرسمية بعيد العمال فأخذت شرعيتها بشكل رسمي بعد صدور ميثاق العمل الوطني في 14 فبراير 2001، من قبل جلالة الملك حمد بن عيسى ال خليفة، بعد التصويت عليه من الشعب بغالبية ساحقة، والذي أعطى الكثير من المنجزات السياسية، وبينها تبييض السجون من المعتقلين وارجاع المنفيين وتشكيل الجمعيات السياسية والنقابية والحصول على تخفيضات في اقساط الإسكان لكل المواطنين، وانطلاق المسيرات والاعتصامات المطالبة بالحقوق كجزء من هذه المنجزات، ومن ضمنها المسيرة العمالية التي انطلقت تحت قيادة القطاع العمالي بالمنبر التقدمي التي شارك فيها الآلاف من العمال والمناصرين للتقدمي، والتي انطلقت في بدايتها قريباً من دائرة الهجرة والجوازات متجهة الى مبنى الامم المتحدة وشعار المسيرة كان مركزاً تحت يافطة في مقدمة المسيرة (ياعمال البحرين اتحدوا)، حيث ألقى المناضل الكبير الراحل أحمد الذوادي كلمة بالمناسبة، وبالفعل بعد مرور عام على المسيرة، صدر المرسوم الملكي حول عطلة الأول من آيار كعطلة رسمية في كل مؤسسات الدولة والقطاع الخاص.
وبهذا يعدّ تاسيس النقابات وعطلة الاول من مايو أكبر مكسب للطبقة العاملة البحرينية حيث استمرّ الاحتفال بهذه المناسبة في مايو من كل عام ومن خلال المسيرات التي ينظمّها المنبر التقدمي بالتعاون مع الاتحاد العام لنقابات وعمال البحرين في شوارع المنامة ومدينة عيسى بمصاحبة الفرقة الموسيقية التي كان من مؤسسيها منذ زهرة شبابه المناضل الفنان والراحل مجيد مرهون.
وبعد أن أصبحت المسيرات العمالية ممنوعة، استمرّ الاحتفال بالأول من مايو ضمن الحيز المسموح به، حيث يحييها منبرنا التقدمي سنوياً، في حفل يقيمه في مقره، بمشاركة من الأعضاء والأصدقاء.
تحية لرفاقنا الأوائل الذين حملوا الراية لتحقيق هذا الهدف، وقدّموا التضحيات وعانوا من الاعتقالات والمطاردات، الذين وإن غابوا عنا فإنهم يظلون أحياء لا يموتون، فيظلّ فكرهم راسخاً تتوارثه الأجيال.