الطّبقة العاملة اللبنانيّة ضحية السّياسات النيوليبراليّة

0
42

ونحن نحتفل بعيد العمال العالمي في الأول من مايو/ أيار، يتعين القول إن الطبقة العاملة اللبنانية هي المتضرر الأول والأكبر من الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد، منذ ظهرر هذه الأزمة، قبل عامين ونصف، إلى العلن، حيث استخدمت السلطة السياسية كل أوجه مكرها وحيلها لـتغطية العجز في الموازنة العامة، ومحاولاتها تأمين إيرادات إضافية تثقل أوضاع المواطنين الذين باتوا غير قادرين على تحمّل السياسات الضرائبية العشوائية والفلتان الغذائي والصحي والاجتماعي والمحاصصات الطّبقيّة والطّائفيذة لتحالف السلطة والمال.

 فجاءت ما عرف يومها بضريبة “الواتس آب” لتشكّل شرارة الإنتفاضة الشعبيّة في 17 تشرين/ أكتوبر من عام 2019، ولتفتح هذه الانتفاضة الباب واسعاً أمام جماهيرنا العاملة والكادحة لتوسيع إطار الرفض والارتقاء نحو وضع سلة الإصلاحات السّياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة في مقدمة المطالب كمقدمة للتغيير في بنية النظام السياسي – الطائفي وفي تحويل الريع الاقتصادي الى اقتصاد منتج وفي تقديم المتطلبات الحياتيّة والمعيشيّة والخدماتيّة المفقودة للمواطنين. عدا عن استشراء حالات الفساد والنهب والتسيب الاداري وغياب التنمية والتخطيط للخروج من أزمة وطنيّة استفحلت على مدى 30 عاماً بعد انتهاء الحرب الأهليّة وإعلان اتفاق “الطائف”.

شكّلت الانتفاضة محطةً أساسية في تاريخ لبنان، لعبت خلالها الحركة النقابية اللبنانية، ومن ضمنها الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين، دوراً أساسياً في تحريك صفوف الطبقة العاملة وعموم الشغيلة لرفض الزيادة على الضرائب الجديدة، وإحلال الضريبة التصاعدية، فلا يجوز أن يدفع أثمان الفساد والنهب والسرقة الفقراء فقط فيما الطبقة المسيطرة وأزلامهم ومافياتهم وصفقاتهم معفيون منها، باسم الحقاظ على الاقتصاد الليبرالي الحر،  وهو في حقيقته اقتصاد نيوليبرالي  متوحش حوّل لبنان الى كتلة اسمنت بعد ان ضرب الاقتصاد الوطني (الصناعة والزراعة والتجارة) والتجأ لتنفيذ السياسات النيوليبراليّة المعولمة وتوحش سوقها، واعتماد هندسات مالية أوصلت البلاد الى ديون فاقت لغاية اليوم 120 مليار دولار اميركي بفعل هذه السياسات الموجهة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، واللجوء الى مؤتمرات الديون، من باريس – 1 لغاية باريس – 3، ومن سيدر – 1 إلى الإتفاق الأخير مع صندوق النقد الدولي، من أجل دعم لبنان بثلاثة مليارات دولار على مدى 46 شهراً وفق كامل شروط هذا الصندوق، ما يعني رهن ما تبقى من مؤسسات عامة وبيع أصول الدولة، والإرتماء في أحضان الخصخصة.

عدا عن سياسة التبعية المطلقة لشروط المانحين عبر صندوق النقد، وربط الأزمة بكل القضايا السياسيّة والأمنيّة الاستراتيجية في المنطقة، ولا سيما الاتفاقات الدوليّة – الإقليميّة في المنطقة وقضية النفط والغاز واللاجئين الفلسطينيين والسوريين. كل هذا ارتد وسيرتد على الطبقة العاملة والأجراء والموظفين وعموم الكادحين الفقراء الذين وصلت نسبتهم اليوم الى ما فوق 86% من الشعب اللبناني.  

 لقد طالب الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين في لبنان منذ الانتفاضة وما زال يناضل من اجل  حكومة وطنيّة مستقلة من خارج المنظومة السّياسيّة الحاكمة، وبقضاء مستقل، وبمحاكمة الفاسدين والكارتيلات والمحكترين والزج بهم في السجون، واستعادة اموال المودعين الفقراء، واسترجاع الأموال المنهوبة التي تم تهريبها الى خارج لبنان بالتواطأ مع الطغمة الماليّة والسّياسيّة وحيتان المصارف اللبنانية، إلا أن الطّبقة السّياسيّة الحالية فضلت انهيار الدولة وافلاسها  ولو هجّرت كل اللبنانيين، أو جوّعت 97% منهم، أو أعدمت كل مرضى السرطان والامراض المستعصية، كل ذلك غير مهم، المهم عند أهل النظام السّياسي الطّائفي والطّبقة الحاكمة هو في كيفية اعادة تجديد ذاتها من خلال الإنتخابات الطائفيّة القادمة في منتصف أيار 2022، والمهم تحالفاتها وصفقاتها وسلطتها، ويتجلى هذا في أننا نعيش في كنف مافيات  مدعومة متحكمة في الكهرباء والغاز والبنزين والمازوت والدواء والخبز واسعار المواد الغذائيّة الإستهلاكيّة.. وغياب الدولة كلياً، حيث لا مؤسسات تعمل ولا أوراق لإنجاز معاملات الناس الرسمية ولا طوابع بريدية .. نعم، نحن نعيش حاليا (قبضاي دبر رأسك ) للاسف الشديد.

 أما على مستويات معيشة الفقراء حيث الأجور ما زالت على حالها، فالحد الأدنى للاجور 675,000 ألف ليرة لبنانية ( كانت تعادل 450 دولار اميركي، وبات الحد الأدنى للأجور اليوم يعادل 28 دولاراً فقط لا غير)، في وقت ارتفعت فيه الأسعار 1500 % . ولتعطي مثالاً فقط (اشتراك الإمبير الواحد في مولد كهربائي للمافيات يعادل 20 دولار في الشهر – 5 إمبير يعادل 100 دولار، يعني حوالي ثلاث مرات ونصف الحد الادنى للأجور الشهرية. ومن هذا المثال نعلم أن ربطة الخبز صارت لغاية اليوم 14 الف ليرة لبنانيّة، وتنكة 20 ليتر من البنزين تعادل 500 الف ليرة لبنانيّة، والمازوت نفس السعر، وكيلو البطاطا 20 ألف ليرة.. وهكذا يعيش 98% من شعب لبنان بعد سرقة اموالهم في المصارف وطرد قسم كبير منهم من العمل بسبب الازمة. 

 لقد دعا الاتحاد الوطني لنقابات العمال والمستخدمين منذ سنة تقريباً إلى حملة وطنية من أجل “العصيان المدني” الوطني الشامل، كحل تكتيكي – عملي لتوحيد صفوف العمال وعموم الكادحين للتحرك من أجل إسقاط الحكومة في الشارع ولمحاسبة الفاسدين ولاستعادة الأموال المنهوبة وتأمين الحد الأدنى لحياة كريمة.

من هذه المقالة، نطلق صرختنا النّقابيّة العّماليّة إلى أخوتنا ورفاقنا في الإتحادات النقابيّة العربيّة للتضامن مع شعبنا ضد الظلم والجوع والقهر والاستغلال والتبعية، ومع معركتنا النقابيّة الوطنية المفتوحة التي أطلقنا عليها تسمية معركة ضد “حكومة رفع الدعم عن شعب بأكمله” بعد أن رفعت هذه الحكومة الدعم كلياً عن كافة المواد التي هي أساس حياة الطبقة العاملة والمزارعين وعموم الفقراء، تلبية لشروط صندوق النقد الدولي، ونتيجة لذلك بات 86% من شعبنا المناضل يرزح تحت مستوى خط الفقر، فيما لبنان مع، أو حتى بدون وصفات صندوق النقد الدولي، لن يستعيد عافيته طالما ظلّت مافيات الطبقة البرجوازية التابعة متحكمة بقوانينها الطّائفيّة والطّبقيّة الخاصة بمفاصل المواطن والوطن.

نحن ماضون في  معركتنا الوطنيّة، ومواجهتنا النّقابيّة المطلبية الشاملة ضد منظومة الفساد والتبعية السياسيّة والاستغلال والنهب، وضد الحكومة، في الشارع، حتى إسقاطهم واسترجاع الثروات المنهوبة والأملاك البحرية والنهرية والودائع المسروقة، والعمل من أجل بناء دولة مدنيّة وطنيّة ديمقراطيّة، دولة المساواة والرعاية والعدالة الاجتماعيّة.