كانت البدايات الأولى للعمل التطوعي في مرحلة الغوص، منذ عام 1916 حتى مرحلة الثلاثينات، قبل اكتشاف النفط عام 1932، ومن ضمنها تحرك الغواصين عام 1919 لمواجهة الظلم الواقع عليهم من النواخذة، وتدخل القنصل البريطاني لحل هذا الإشكال، وكان هذا التحرك في مضمونه تحركاً عفوياً وغير منظم، ومفهوم العمل التطوعي قديماً هو المشاركة الجماعية تحت مظلة (الفزعة)، ومعناها الشعبي: “عِيني وأعاونك”.
وهي بشكل عام مبادرة من أهالي المنطقة، أو الحي، ويطلق عليه (الفريج)، وبسبب العلاقة الأسرية والاجتماعية ما بين أهالي المناطق تتعزز مبادرات الفزعة، ولتوضيح معنى الفزعة نسوق مثالاً أنه عند مبادرة أحد أهالي المنطقة بترميم أو بناء المنزل، عليه الاستعانة فقط بالبنّاء، والمعروف بالأستاذ، الذي يشرف على بناء المنزل، أما بقية العمال فهم من أهالي المنطقة وبدون مقابل مادي بمجرد توفير مواد البناء ووجبة خفيفة للعاملين وهكذا تتكرر العملية لأشخاص آخرين.
وللنساء أيضاً دور في هذه الفزعة؛ ففي الأفراح تتكاتف جهود النساء في المشاركة في تزيين فرشة العروس والعريس المقبلين على الزواج والتكفل بالطبخ لأهالي المنطقة.
ظاهرة الفزعة اختفت تماماً بشكلها السابق، وتغيّر مضمونها، لتأتي الخدمة مقابل أجر مادي. ربما تبرز بين حين وآخر في حالة الطوارئ وحدوث الكوارث الطبيعية كما حدث عند سقوط طائرة “طيران الخليج” عام 2000، والتي سقطت في سواحل سماهيج والدير، فهبّ أهالي الدير وسماهيج بانتشال جثث ركاب الطائرة ومساعدة رجال الأمن والدفاع المدني ورجال الإسعاف، كما تجلى ذلك أيضاً في فزعة مواجهة انتشار جائحة كورونا.
كان العمل التطوعي مرتبطاً ارتباطاً وثيقا بالحركة الجماهيرية، والعلاقة بين العمل التطوعي والحركة الجماهيرية علاقة طردية، فكلما زادت وتصاعدت حركة الجماهير ونتيجة لظروف موضوعية وذاتي، تصاعدت حركة العمل التطوعي، وبهذا نفهم بأن المدّ في العمل التطوعي ارتبط ارتباطاً وثيقاً بتصاعد وتيرة العمل الجماهيري والعكس صحيح، فعندما يتراجع العمل التطوعي ويكون في حالة انحسار، فهذا يعني بأن العمل الجماهيري والمطالب الشعبية وصلت إلى مرحلة الجمود، وينعكس ذلك الانحسار على الثقافة بشكل عام، وتبدأ عند الكتّاب والمثقفين والفنانين حالة القلق والخوف والبعد عن معالجة الواقع الاجتماعي .
وعندما نتكلم عن العمل التطوعي المنظم، فإننا نعني مؤسسات المجتمع المدني منذ بدايات تشكيلها، وتشمل الجمعيات الأهلية والخيرية والنقابات والجمعيات السياسية، وبالرغم من الحجر القانوني على الجمعيات الأهلية في تأدية دورها الحقيقي، إلا أنها مجبرة على تبني قضايا اجتماعية بعيدة كل البعد عن المواقف السياسية والحقوقية، ومن هنا تبدأ عملية الانحسار والتراجع والجزر في تشاط هذه الجمعيات التي انحصرت في عدد محدود من الأعضاء الحريصين على الحفاظ على كيان هذه الجمعيات.
أهم المنعطفات التاريخية للعمل التطوعي
في العام 1938 بدأت المبادرات الأولى للحركة المطلبية وبالرغم من عفويتها، وقلة الوعي النقابي لدي العمال، إلا أن مطالبهم لم تخلُ من مطلب العمل النقابي، وسبب الإضراب كان نتيجة المنافسة التي بدأت بوجود الكثافة العمالية من الأجانب وحصولهم على مميزات لا يحصل عليها العامل البحريني، علاوة على ارتفاع أجورهم مما سبب نقمة لدي العمال الوطنيين وبهذا بدأ الإضراب.
تلى ذلك حركة الهيئة بين عامي 1954 – 1956، وتميزت بكونها منظمة وتحت قيادة تمثل شريحة من التجار المتضررين من المنافسة الحادة التي اتبعتها الإدارة الإنجليزية ضد تجار البلد، ونجحت هذه الحركة الممثلة من الطائفتين وضمّت في قيادتها عبد الرحمن الباكر وعبد العزيز الشملان وعبدالرضا العليوات وقاسم الشًيراوي وغيرهم من كبار التجار، في استقطاب جماهير غفيرة من مواطني البحرين مما ساعدهم في الدعوة لتشكيل اتحاد عمالي ضمّ في عضويته ما يقارب سبعة وعشرين ألفاً من العمال والكادحين، إلا أن هذه الحركة لم تستمر نتيجة استهداف قادتها واعتقالهم ونفي بعضهم إلى جزيرة سانت هيلانه.