لماذا أزهار الخشخاش جميلة؟

0
50

هل تساءلت يومًا لماذا تجد هذا الشيء جميلاً أو هذا الشخص وسيماً؟ ما هو الجميل وما هو مضاده؟ ما هو معيار الجمال لدينا ومن يحدده؟ أنا على سبيل المثال أجد أشياء كثيرة جميلة: أحبّ غروب الشمس، وأرى جميلا دمج الألوان في ملابسي، سكون الليل يسحرني، وتستحوذ انتباهي كل أنواع الأزهار. شعور الجمال عالمي ومتعارف عليه، لكن من أين يأتي هذا الشعور؟ ما الذي يجعلنا نحدد بأن هذه اللوحة رائعة وبأن الأخرى متنافية مع مفهوم الجمال؟ 

منذ وقت طويل، حاول علماء الرياضيات الاجابة على هذا السؤال. قبل 2300 سنة، تساءل اقليدس عن النسب المثالية وحددها وفق معادلات رياضية دقيقة أسفرت عن إطلاق مفهوم المثالية. خلال عصر النهضة، سعى الراهب الإيطالي لوكا باجيولي إلى تطبيق مبادئ إقليدس على الفن والمجالات الأخرى وخرج من النسب المثالية إلى الإلهية. لماذا الإلهية؟ لأن هذه النسب موجودة في الطبيعة أساساً، أي أن النسب التي حددها اقليدس مستوحاة من الطبيعة ونجدها على وجه الأساس في الزهور، في عدد بتلاتها وتناسقها، والتفاوت المناسب في الطول، حيث يثير التنظيم الحلزوني للزهرة في اتجاه أو في آخر شعوراً جمالياً لدى الإنسان. 

تدخل فكرة النسب الدقيقة في النظرية الجمالية، بيد أن ليوناردو دافنشي وظّفها في عمله “فيتروفيان مان”، ذات الخطوط التي تدمج بين الرياضيات والانسان، إلا أنه بوسع أي انسان مناقضة فكرة ارتباط الدقة بالجمال لمجرد وجود أشياء لا تملك نسباً متساوية، ومع ذلك تعتبر في غاية الجمال. أزهار الخشخاش أحد تلك الأمثلة، اذ لا تملك بتلاتها نسب متساوية وهي مع ذلك مرتكزة في العقل الباطن لكل انسان رآها، عدا أنها أزهار فاتنة جداً. دعونا نتوقف للحظة ونرجع للوراء قليلاً… لماذا نعتبر الزهور جميلة في كل الأحوال؟  ما هي علاقة الزهور بالجمال.

يقول أحد العلماء بأن الطبيعة ترسل لنا اشارات. الجمال هو الذهاب نحو ما هو جيد لنا، ما يعطينا الصحة وما يفيدنا. هذه الوردة جميلة لأنها متكيفة مع بيئتها، تظهر الصحة، والخصوبة. تمّ تأكيد هذه الفكرة كذلك في الفن الروسي: اللوحة الجيدة هي التي تمثل احتياجاتنا الانسانية: سماء زرقاء، ماء، ملاذ، مخابئ، بشر، حيوانات. قد نجد جميلاً كذلك ما هو غير منظم: قطعة أرض شاغرة، موقع بناء، مكب نفايات يحتوي على الكثير من الألوان. الحقيقة هي أننا نميل إلى فكرة الانسجام ومضادها في آن. اعتمادًا على الشخصية، فإن إيجاد الانسجام أو عكسه يمكن أن يبعث في نفوسنا المتعة. 

كيف نجد بعض الأشياء جميلة وغيرها قبيح؟ الدماغ البشري معقد للغاية. يفتح الباب على الجمال، فالسرور بفضل هرمون الدوبامين المرتبط ارتباطًا مباشرًا بمشاعرنا ورغباتنا وشعورنا بالرضا. يعمل الدماغ كمنمنمة صغيرة في الكون. المدهش هو أننا قادرون على إنشاء صور ذهنية ديناميكية داخل أدمغتنا تسمح لنا ببناء صورة للعالم. نحن قادرون على بناء واقع افتراضي في الدماغ. عندما يلتقي هذا الواقع بالواقع الحقيقي، فإننا نخلق شعور بالرضا يتوافق مع الشعور بالجمال، وكأننا نشبع رغبة عطشى. 

هذا هو السبب في عدم تقدير الأعمال الفنية بنفس الطريقة لأن توقعاتنا تختلف باختلاف تجربتنا ووقتنا وأذواقنا ومعرفتنا. كل حضارة لها معاييرها الخاصة. في الماضي كان البيض ينفرون من ذوي البشرة السوداء ويستعبدونهم، والآن يتنافس البيض على شراء مستحضرات تسمير البشرة. هناك العديد من الأمثلة على تطور مفهوم الجمال. من الممكن أن أرى انساناً عادياً وأحكم عليه بعدم الجمال، ثم أتعمق في روحه لاحقاً لأراه في منتهى الجمال وأرى هذا الجمال ينعكس على الخارج. 

هذه الفكرة تتطابق مع الطعام. من العادي جداً أن أرى طبق بشكل منفر ومقرف، ولكن لو أغمضت عيني واستطعمته، قد أراه في منتهى اللذة، فأتعود على شكله وأراه جميلاً. من الواضح أن الجمال يتوافق مع التوقعات التي يجب أن نلبيها، توقعًا خاصًا يتوافق مع ثقافتي، مع وقتي. عندما يتحقق هذا التوقع، يمكنني أن أجد ما هو أمامي جميلًا. ما هو التوقع الذي يمكن أن يكون لديّ ازاء أزهار الخشخاش؟ ارتباطها بفصل الصيف!