أول مرة التقيت فيها المناضل الراحل إبراهيم جمعة ديتو كانت في سوريا في أوائل الثماينات الماضية. كان الفقيد قد أتى إلى دمشق بالسيارة صحبة زوجته أم محمد وأولاده، ليتوجهوا منها نحو بلغاريا لزيارة ابنته هدى التي كانت قد التحقت بالدراسة الجامعية في بلغاريا، حيث أقاموا بضعة أيام معنا، قبل مواصلة رحلتهم، وكانت تلك فرصة للتعرف على الرفيق إبراهيم ورفيقة دربه أم محمد عن قرب، فلمست جميعاً فيهما دماثة الخلق والطيبة والود الكبيرين، وكان أبو محمد واحد من ثلاثة رفاق أجريت معهم حواراً حول ذكرياتهم عن بدايات تأسيس جبهة التحرير الوطني، فبالإضافة إليه، كان الرفيق الراحل علي مدان والرفيق عبدالله البنعلي أطال الله في عمره.
في ذلك اللقاء أشار الرفيق إبراهيم إلى الخلايا العمالية الأولى التي شكلتها الجبهة في شركة النفط (بابكو) وفي شركة (أكمي) وهي شركة الإنشاءات الرئيسية في البحرين يومذاك وكانت تقوم بتنفيذ أعمال عائدة لشركة (بابكو) بموجب ما يعرف بنظام الدفع، بالإضافة إلى خلايا للجبهة في أوساط طلاب المدرسة الثانوية بالمنامة، ومنذ البدء لم تكن خلايا الجبهة محصورة في العاصمة فقط، بل كانت موجودة في مناطق سكنية أخرى غير المنامة.
غير أن اسم شركة (أكمي) بالذات اقترن بالنضالات الأولى للطبقة العاملة البحرينية منذ بداية خمسينيات هذا القرن بقيادة مناضلي الجبهة الأوائل، إذ كان عددا منهم عمالاً في هذه الشركة ومن بينهم الشهيد حسن نظام والراحل علي مدان. وكان من أوائل إضرابات العمال في هذه الشركة إضراب في عام 1954للمطالبة بتحسين أوضاع العمال.
ومن الذكريات التي أتى أبو محمد عليها، حرص الجبهة، ومنذ الأول من مايو عام 1955 على تكريس تقليد سنوي بتنظيم رحلة إلى البساتين في القرى خارج العاصمة احتفالا بعيد العمال العالمي، وكان هو من بين حضور بعضها، وقدّر عدد من شاركوا في الرحلة التي نظمت في الأول من مايو 1955 بالعشرات، إذ نقلتهم إلى البستان مجموعة من الباصات الخشبية القديمة، وتعد هذه الرحلة أول شكل للاحتفال بعيد العمال العالمي في بلادنا، وفي هذا الاحتفال ألقيت كلمات عن المعاني الكفاحية التي يجسدها هذا اليوم كرمز للوحدة النضالية بين بروليتاريي بلدان العالم، مثلما شرحت ظروف النشأة التاريخية لفكرة هذا اليوم تخليدا لذكرى العمال الأبطال الذين سقطوا برصاص الغدر الراسمالي عام 1886 في مدينة شيكاغو بأميركا، وأنشدت الأناشيد الثورية الأممية والوطنية.
كما جرت الإشارة من قبل الرفاق الثلاثة الذين حاورتهم إلى أن الجبهة فكرت يومها في مشروع كان في حينه طموحاً جداً بالنظر إلى إمكانات الجبهة المحدودة وقلة كادرها، إذ أعلنوا عن تشكيل اتحاد لعمال البحرين طبع عدة منشورات ووزعها، غير أن الظروف التنظيمية لم تسمح بالاستمرار في العمل تحت هذا الاسم، بسبب أن الجهد الأساسي للرفاق حينها كان منصبا على بناء الجبهة ذاتها، وكان العمل في الإتحاد العمالي يتم على حساب العمل لبناء الجبهة مما استدعى صرف النظر عن هذه المحاولة بعد فترة لا بأس بها من بدئها.