واشنطن صانعة الحروب عبر العالم

0
32

تعتمد الولايات المتحدة في سعيها للهيمنة العالمية على عدة أوراق بما في ذلك السياسة والاقتصاد والثقافة والتعليم والتأثير على منصات الرأي العام. وهدفها في ذلك خلق اضطرابات في جميع أنحاء العالم تحت راية الذود عن “حقوق الإنسان” و”الديمقراطية” و”الحرية”.  تذكر “شبكة الصين الاخبارية” من خلال دراسة تاريخ حروب وصراعات الولايات المتحدة خلال الـ 240 عاما الماضية منذ إعلان الاستقلال عام 1776، ما تظهره الإحصائيات من أن المدة الزمنية الفاصلة بين حرب وأخرى تخوضها الولايات المتحدة هي أقل من عشرين عاما، كما تشير هذه البيانات إلى اندلاع 248 نزاعا مسلحا في 153 دولة ومنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية في عام 1945 إلى غاية 2001، وكان للولايات المتحدة نصيب الأسد منها بواقع إشعال 201 منها، أي إنها كانت مسؤولة عن 81% من إجمالي جميع الحروب والصراعات حول العالم.

 هل تعشق أمريكا الحروب؟ الإجابة ببساطة “نعم” بعد تحليل البيانات الضخمة، فمنذ الحرب العالمية الثانية، خاض كل رئيس أمريكي تقريبا “حرباً خاصة به” ودمرت هذه الحروب البلدان المحتلة وتسببت بقتل ملايين المدنيين وتشريد عشرات الملابين، وقد أرجع الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر “عشق الحروب” إلى أن الولايات المتحدة ترغب دائما في إجبار الآخرين على تبني المبادئ الأمريكية.

لماذا لا تزال الولايات المتحدة “ميالة لاستخدام القوة” حتى بعد الحرب العالمية الثانية؟. لمعرفة الإجابة، يمكنك أولاً إلقاء نظرة على تاريخ تأسيس الولايات المتحدة وتوسعها والذي يعود إلى فظائع إبادة الهنود الحمر. وكان الرئيس الأمريكي السابق باراك اوباما قد نشر مذكرات بعنوان “أرض الميعاد”. وسبب اختيار هذا الاسم يعود إلى أن جلّ الأمريكيين يعتقدون أن أرض الكنوز التي تحت أقدامهم بمثابة “هبة من الرب” وكأنهم تناسوا أن أمريكا الشمالية هي أرض يقطنها ويمتلكها سكان أصليون. فأين تبخر عشرات الملابين من الهنود الحمر؟.

 وبعد طي صفحة “مذبحة الهنود الحمر”، لعبت الولايات المتحدة على وتر الحروب لتصبح أقوى على نطاق أوسع، فأصبحت قوة عسكرية عالمية جراء الحرب الإسبانية الأمريكية، ثم اغتنمت اندلاع الحرب العالمية الأولى كفرصة وأصبحت بعد ذلك عملاقا عالميا، أما هيمنتها على النظام الدولي فقد تحقق مباشرة إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية. ولأكثر من 200عام، خاضت الولايات المتحدة الحروب وشاركت فيها باستمرار.

ولطالما شكلت الحروب الوجه الذي نعرفه عن الولايات المتحدة. وقد دفعت هذه العقلية عددا كبيرا من النخب السياسية في الولايات المتحدة إلى الانغماس في “متعة” استخدام القوة العسكرية. وبالتالي تسود في أوساطهم حالة من القلق بشأن السلام الذي قد يجلب وضع ” لا عدو، إذن لا قوة لنا”. لهذا السبب فهم غير قادرين على كبح رغباتهم في إحداث الاضطرابات لا لشيء إلا لإحكام الهيمنة. إنهم يبحثون في جميع أنحاء العالم، خاصة بعد الحرب الباردة. فلقد أطلقوا بأوهامهم المتمثلة في “العالم أحادي القطب” موجة من التدخل في أجزاء كثيرة من العالم، كما قاموا بشنّ سلسلة من الحروب وتدخلوا للإطاحة بأنظمة دول أخرى واختراقها لغرض واحد وهو “الهيمنة العالمية”.

بعد هزيمة اليابان في عام 1945، تفكك التحالف المناهض للفاشية بسرعة. وحثت خطوات القوى العظمى من أجل الهيمنة على العالم. والمثال الأكثر شيوعا هو شن الولايات المتحدة هجوما واسع على كوريا الشمالية في عام 1950، وأشعلت حربا على نهر بالو. وهذه الصفحة من التاريخ الإجرامي لتدخل القوة الأمريكية في الشؤون الداخلية للدول الأخرى وقتل المدنيين مليئة بالقصص المأساوية عن ملايين القتلى المدنيين، ومثلهم في شبه الجزيرة الكورية.

ومن أجل أخماد أي صوت معارض لواشنطن، لا تتوانى الولايات المتحدة عن استخدام أي وسيلة حتى وإن كانت في شكل حروب على حساب حياة البشر في أنحاء العالم. فقد تم تقطيع أوصال يوغوسلافيا “نمر البلقان” تدريجيا بسبب هوس الولايات المتحدة في تحقيق الهيمنة. وعلى الرغم من أن يوغوسلافيا كانت دولة اشتراكية، إلا أن المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة سعى جاهداً إلى استمالتها في الأيام الأولى للحرب الباردة. والسبب وراء ذلك بسيط للغاية وهو الصراع الجيوسياسي بين المعسكر الغربي والاتحاد السوفييتي، والخلاف بين الزعيم اليوغوسلافي تيتو والزعيم السوفييتي ستالين، وتبني يوغوسلافيا سياسة خارجية مستقلة ومحايدة خلال الحرب الباردة، وشكّل هذا الأمر فرصة للولايات المتحدة التي كانت تعتبر أوروبا الشرقية بمثابة جبهة امامية ضد الاتحاد السوفييتي، ونتيجة لذلك، قدّمت الولايات المتحدة قدراً كبيراً من المساعدات الاقتصادية لـيوغوسلافيا، كما فتحت دول غربية أخرى أبوابها التجارية أمامها.

وبالنسبة لهذا البلد الذي لم يعد بإمكانه أن يكون “حاجزاً استراتيجيا”، تغير موقف واشنطن نحوها بسرعة، وأصبح الهدف التخلص منها بسرعة.  ولبلوغ هذه الغاية، لم تتوان الولايات المتحدة عن شن سلسلة من الهجمات التي شملت التضييق الاقتصادي على البلاد، وتأجيج الانقسامات العرقية والتشجيع على اندلاع حرب رأي عام إيديولوجي، ما أدى في النهايةِ إلى سقوط يوغوسلافيا في حالة من الانقسام والحروب الأهلية في التسعينيات من القرن الماضي، ثم كان مصيرها التفكك تدريجيا. ومع ذلك، فإن نزعة الولايات المتحدة إلى إحداث الفوضى لم يتوقف. فبعد اندلاع حرب كوسوفو قصفت قوات الناتو بقيادة الولايات المتحدة يوغوسلافيا بشكل عشوائي لمدة 78 يوما تحت شعار “تجنب الكوارث الإنسانية”.

لم تكتف الولايات المتحدة بإشعال الحروب في أماكن ذات أهمية جيو استراتيجية كبيرة مثل شرق آسيا والشرق الأوسط وأوروبا، بل امتدت يدها العسكرية إلى أمريكا اللاتينية التي لطالما اعتبرتها “حديقتها الخلفية”. وسعت واشنطن عبر مختلف المحطات التاريخية إلى الحصول على “ميزة مطلقة” في أمريكا اللاتينية بصورة دائمة. وبالنسبة لدول أمريكا اللاتينية التي لطالما صدمت رؤساء مناهضين لأمريكا، فقد حرضت الولايات المتحدة على تدبير انقلابات عسكرية أو عمدت مباشرة إلى إرسال قواتها الغازية. ففي أكتوبر 1983، غزت الولايات المتحدة فجأة غرينادا، وقبل ذلك، كانت الجزيرة الكاريبية تعاني من آثار حرب أهلية طاحنة، ويرى بعض المحللين أن الغزو الأمريكي لغرينادا لم يستهدف الأخيرة فحسب، ولكنها كانت بمثابة عرض للعضلات أمام الاتحاد السوفييتي ولتحذير وإرهاب الدول الأخرى ذات الميول المناهضة للولايات المتحدة مثل كوبا ونيكاراغوا.

ولم يكن الأمر ليقتصر على غرينادا فحسب، ففي نصف القرن الماضي غزت الولايات المتحدة العديد من دول أمريكا اللاتينية مثل بنما ودومينيكان لأسباب مماثلة. ومن حيث الجوهر، فإن ذلك يترجم سعي واشنطن لترسيخ “قوتها المطلقة” في أمريكا اللاتينية. حرب فيتنام وحرب الخليج والحرب الأفغانية وحرب العراق والحرب السورية… إن إلقاء نظرة على لائحة الكم الهائل من الحروب الخارجية التي شنتها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، يقودنا إلى هذا الاستنتاج: إن إدمان الحرب أصبح تقليدا لدى واشنطن. ولم تسبب هذه الحروب اضطرابات في العالم فحسب، بل أدت أيضا إلى انتشار الشعبوية في الولايات المتحدة. ترفع الولايات المتحدة دائما رايات “حقوق الإنسان” و “الديمقراطية” عند شن الحروب. ولكن نزعتها إلى شن الحروب أسقط في الأخير ذلك القناع الزائف، وأدركت شعوب العالم جوهر السلوك الأمريكي.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي