قبل نحو خمسة عشر عاماً أعلنت الجهة الرسميّة المعنيّة بالتنمية الاجتماعيّة إنها رفعت تقريراً يُفيد بأن البحرين استوفت شروط الألفيّة التي تُطالب المنظمات الدّوليّة المعنيّة بمراعاتها، خاصةً على صعيد الفقر والاهتمام بالبيئة والخدمات الصّحية والتّعليميّة.
في حينه تساءل المنبر التقدمي كيف يصح القول إن البحرين قد تغلبت على مشكلة الفقر، فيما نحن شهود على اتساع هذه الظاهرة بانضمام أعدادٍ جديدة إلى من يمكن أن يندرجوا في خانة الفقر، ليس فقط بسبب الأعداد المتزايدة من الشبان الذين يصبحون في أعمار الدخول إلى سوق العمل سنوياً، مع عجز هذه السوق عن استيعابهم، وإنما أيضاً بسبب تدهور مكانة أفراد الفئات الوسطى، أمام تآكل القدرة الشّرائيّة لمداخليهم ومدخراتهم.
وما يُقال عن الفقر يُقال أيضاً عن الحال البائسة للبيئة في بلادنا بسبب تدمير المناطق الخضراء، بحيث انحصر النّقاش في الحفاظ على مجرد حزام أخضر محدود ما زلنا عاجزين عن حمايته بسبب الجشع في الاستحواذ على الأراضي وتحويلها إلى مشاريع عمرانيّة، فيما يجري ردم مساحات البحر بصورة هستيريّة جرياً وراء رنين الذهب، دون أن نتحدث عن تلويث المناطق السّكنيّة بالغازات والأتربة السّامة.
أما عن خدمات الصّحة والتّعليم فيبدو افتراءً القول إنها تتحسن، حيث يزداد الضّغط على الخدمات العامة أضعاف المرات، فيما مستواها يتدنى، والبنية الأساسيّة المتوفرة حالياً أعجز من أن تُغطي الزّيادة الواسعة في عدد السّكان، لأنها صُممت في الأصل لاستيعاب أعداد أقل بكثير.
إذا كان هذا الكلام صحيحاً قبل كل هذه الأعوام التي انقضت، ما عسانا سنقول اليوم، فالأمور لم تتحسن خلالها وإنما تزداد سوءاً، خاصة مع فرض المزيد من الضّرائب، وبينها ضريبة القيمة المضافة التي جرت مضاعفتها خلال فترة قصيرة، وتنعقد النّية لدى أصحاب القرار برفعها مرة ثالثة لتصبح 15% في الأفق المنظور، كما جرى مصادرة واحد من أهم حقوق المتقاعدين، وهو الزّيادة السّنوية المقررة على معاشاتهم، ووقف هذه الزّيادة اعتداء على حقٍ مكتسب واهدار لهذا الحق لا عدالة فيه.
يتزامن ذلك مع خطط حديثة لخصخصة الخدمات الطّبيّة، رغم الدروس البليغة لمواجهة جائحة كورونا، التي أظهرت أهممية دور الدّولة في الرعاية الصحيّة، كما تزداد الشكاوى، مع بدء العام الدراسي الجديد من تدهور وتراجع ملحوظين في الخدمات التّعليميّة، وتقادم البنية التّحتيّة للتعليم من مدارس ومختبرات ومواصلات وغيرها.