“حداثة التحايل “كما رآها حسن مدن

0
29

 يعتبر سؤال الحداثة، من أبرز الإشكاليات التي استفزت الفكر العربي. وهو الأمر الذي نلامسه في المشروع الفكري الحداثي للباحث البحريني الدكتور حسن مدن؛ الذي راهن على تفكيك البنية الذهنية الخليجية، لأجل الانخراط الواعي في بناء مجتمع حداثي يستجيب للمتغيّرات الدوليّة، وللتحدي الحضاري الذي يراهن على القطع مع التقليد.

لقد سعى المشروع الفكري لحسن مدن، إلى مدّ جسور التواصل بين الحداثة والهوية الثقافيّة العربيّة، من خلال تفكيك الأنساق المعرفيّة والثقافيّة للمجتمع الخليجي، ومن ثم تجاوز حالة الانغلاق لتحرير العقل العربي- الخليجي من اللامعقول ومأزق التقليد. لهذا دعا مؤلف “حداثة ظهرها إلى الجدار”، إلى مساءلة الواقع الفكري- المعرفي لأجل حداثة تتغير معها الأفكار ويستطيع العقل معها الانتقال من حيز الاجترار إلى درجة الإبداع. وأيضا لمواجهة النخبوية المعرفية التي عمقت الفجوة بين الفئات العالمة والفئات غير العالمة.

  ركّز المشروع الفكري: “حداثة ظهرها إلى الجدار”، على المجتمع الخليجي، لأنه لا يمكن فصل إشكالية الحداثة عن فضاءاتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية. لكن دون القطع مع التجربة الحداثية الغربية التي كانت ومازالت النموذج.

 انتصرت الحداثة – الأوروبية، للإنسان – الإنسان الأوروبي – لتصدّر مدنية مجحفة كرّست واقع الجمود الفكري والسياسي لدى الآخر، غير الأوروبي. فقد طرح المشروع الحداثي الديكارتي، سؤال الأنا والعالم، ليعلنها ثورة على التقليد، لكن هذا البدء سينتج أيضا مدنية صارخة، بدأت بمشروع كولونيالي أسس لأنا مستعمرة متعالية، تقوت بالكوجيطو: “أنا أفكر، أنا موجود”، لتسلب الآخر المستعمَر حقه في المشاركة في البناء الحضاري.

 من هنا، من صدمة الحداثة، تنطلق بانورامية فكر حسن مدن، هذه الصدمة التي أحدثت تغييرا في البنى الحيوية للبلدان العربيّة، وخلقت فجوة حقيقيّة بين الإنسان العربي ومقومات هويته الجمعيّة. لهذا فحداثة الخليج العربي، حسب حسن مدن، لم تتجاوز عجيب العمران، لنكون أمام دول احتوت البنى التقليديّة، وزاحمت بذلك العادات والأعراف الموروثة التي تسكن وجدان المجتمع الخليجي ولا شعوره، لن دون تحقق الحداثة الفكريّة التي تظل الهدف والمبتغى لأجل تحقق مشروع النهضة العربيّة الذي ارتبط بالعلاقة الجدليّة شرق – غرب، أكثر من ارتباطه بالشروط الموضوعيّة للنهوض؛ من تعليم ورقي بأوضاع المرأة بل بالمجالات الحيوية عموما. نزد على هذا تلك الممانعة التي حكمت رؤية الإنسان العربي عموما لحداثة جاءت مع حركة توسعيّة – استعماريّة.

 هذه المفارقة التاريخيّة، التي حكمت علاقة الحداثة بالاستعمار، وعلاقة المشرق العربي بقيم الحداثة، ستحتل حيزا هاما من مشروع حسن مدن، سواء من حيث استدعاء المشاريع الحداثيّة الرائدة التي رصدت أسئلة التراث والحداثة، أو من حيث رصد الاختلالات المجتمعية والاقتصادية التي رافقت مشاريع التحديث والتي راهنت بدورها على التوفيق بين المبادئ الإسلاميّة والأفكار الغربيّة. فكانت حداثة “برانيّة”، بالرغم من أهمية تراث النهضة العربيّة، لاعتبارات عدة رصدها البحاثة العرب ووقف المؤلف، عند أبرزها:

ولم يفت حسن مدن، أن يقف عند دور اكتشاف النفط في تحقيق دول الخليج الأهداف التنمويّة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، لكن التحديث هنا سيطال فقط السياسة الاقتصاديّة التي ساعدت في تجويد الحياة العامة في بعدها المادي. بدليل أن الآثار التنمويّة الإيجابيّة تبدت في شيوع حداثة البنيان. من هنا حضور مفهوم “المخاتلة”، في إطار البناء المفاهيمي للمشروع الذي يحمل بصمة مفكر تشرّب الفكر الحداثي وتملّك آليات قراءة التراث والفكر التقليدي. من هنا هذا الحضور القوي لمفهوم المخاتلة في دلالة على صراع التقليد والتحديث نتيجة ما يمكننا تسميته سعي الثقافات المحلية إلى مواجهة المركزيّة الأوروبيّة ونزعتها الكونيّة المستندة على مبادئ التحديث وقيم الحداثة.

في حضرة “حداثة ظهرها إلى الجدار”، نحن أمام بلورة رؤية مختلفة لسؤال الحداثة؛ رؤية تأخذ بعين الاعتبار خصوصية المجتمع الخليجي، بعيدا عن الإسقاطات والأطاريح المطلقة التي جعلت من خطاب الحداثة، خطابا فضفاضاً عاجزاً عن تقويم محاولات التجديد. رؤية تربط سؤال الحداثة بالحاضر وبالمنجز بعيداً عن التمثلات وعن المقاربات التجريديّة.