أثبت الشعب البحريني بأنه قادرٌ على محاسبة من يقف ضد حقوقه المكتسبة والمشروعة تحت أي مسوغٍ كان، ولم تفِد أموال البعض الطائلة في تغيير إرادة الناخبين وخياراتهم في التغيير. لقد أعطى المواطنون درساً بليغاً للنواب ال 22 الذين صوّتوا مع رفع ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 10%، وصوّتوا مع تعديلات قانون التقاعد الجديد وحرموا المتقاعدين من الزيادة السنوية 3%، صحيح بعضهم لم يرشح من بداية فتح باب الترشيح، فيما لم ينجح سوى نائبين من الذين صوتوا مع تلك التعديلات، والأسباب في نجاحهم معروفة، فيما
في أغلبية الدوائر، وبوعي الناخب، تمّ إسقاطهم واحداً وراء الثاني. من يقف ضد إرادة المواطنين ويعمل مع الحكومة لتحميلهم أعباء مالية إضافية لينفّذ النصائح الكارثية من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، يرفضهم الناس ولا يتم انتخابهم مرة ثانية.
لماذا يتحمل المواطنون فشل السياسات الاقتصادية والمالية للدولة، وهي التي تمضي في تنفيذ السياسة النيولبيرالية في خصخصة العديد من القطاعات العامة والتي سوف يتضرر منها المواطنون والأمثلة أمامنا واضحة (محطات الكهرباء والماء) بعد الخصخصة وكذلك رفع الدعم الحكومي عنها ومعها البترول وبعض السلع الغذائية، وقريباً قطاع الصحة وبعده التعليم والإسكان، أي أن الدولة تخلي مسؤولياتها عن الحماية الاجتماعية للمواطنين مما يؤدي إلى ازدياد الفقر وتلاشي الطبقة الوسطى.
وهناك مؤشرات على طرح قانون جديد بزيادة ضريبة القيمة المضافة إلى 15% على أعضاء مجلس النواب الجديد، التصدي لها ورفضها، فهم مراقبون من قبل ناخبيهم، وعليهم التفكير جيداً قبل الإقدام على أي خطوة تتعارض مع الحقوق المكتسبة للمواطنين، وأن يرجعوا إلى الناخبين في دوائرهم للمشاورة والتفاعل معهم.
رشّحت لنا بعض الأخبار بأن هناك مواطنين يعتزمون تشكيل لجان مراقبة شعبية هدفها التواصل المباشر مع نائب الدائرة وإيصال مطالبهم وما يفكرون فيه من آمال وتطلعات وقضايا. صحيحٌ بأن صلاحيات المجلس منقوصة، وتوجد معوقات عديدة بما في ذلك اللائحة الداخلية التي يتطلب إدخال عليها تعديلات واسعة لتفعيل دور النائب في الرقابة والتشريع، فهامش الديمقراطية لن يتسع إذا بقيت المعوقات موجودة باستمرار، والتجربة لن تتطور إلّا بالرؤى الجديدة، بعد مضي عشرين عاماً عليها، وما زالت مكانها دون إحداث تغيير حقيقي.
وعلى الدولة التخلي عن السياسة النيولبيرالية المدمرة والتي فشلت في العديد من الدول بما فيها دول أوروبية مثل “اليونان” وغيرها، واليوم يُراد تطبيقها في بلادنا، لن نقول بأننا نريد تطبيق نموذج النظام الاقتصادي الاجتماعي الاشتراكي، الذي يوفر العدالة الاجتماعية لصالح المواطنين في تلك البلدان، ولكن بالإمكان الاستفادة من تجربة سابقة طبقت في الهند “الاقتصادي المختلط” بعد مرحلة الاستقلال الوطني وبالأخص فترة حكم جواهر لال نهرو أول رئيس وزراء للهند بعد الاستقلال الوطني في نهاية الأربعينيات وبداية الخمسينيات من القرن الماضي، وعلى الدولة فرض ضريبة على أرباح الشركات الكبيرة في البلاد التي تجني ملايين الدنانير من خيرات وثروات البحرين.
عودة إلى صلب الموضوع على أعضاء مجلس النواب الجديد أن يكونوا صوت الشعب بالأفعال من خلال تطبيق برامجهم الانتخابية التي على ضوئها تمُ انتخابهم، وأن لا تكون شعارات رُفِعت أثناء الحملات الانتخابية، والالتزام بالبرامج الانتخابية والنضال من أجل تحقيقها مهمة ليست سهلة، وعلى النواب الفائزين بأن يكونوا صوت الشعب الحقيقي، ونحن إذن نفخر بفوز ثلاثة من مرشحي قائمة “تقدّم” من أصل أربعة مرشحين، رغم خسارتنا وخسارة المجلس بعدم فوز رفيقنا النائب السابق والنقابي سيد فلاح، الذي كان صوتاً للعمال والنقابيين، فإننا نثق بأن “تقدّم” ستعمل كل ما في وسعها لمواجهة التحديات الكبيرة في ظل صلاحيات مجلس النواب المحدودة، وسيبقى أعضاؤها الصوت الوطني الحاضر بقوة في المجلس، صوت الناس والبسطاء والكادحين وسائر المواطنين في دوائرهم والوطن أجمع، وتظل مهمة تغير نظرة الناس إلى مجلس النواب القادم متوقفة على أداء أعضاء المجلس، في أن يجعلوا منه سلطةً تشريعيةً تراقب وتحاسب الحكومة.