ضحّى العشرات والمئات من النقابيين الروّاد الأوائل منذ اكتشاف النفط ( البترول ) في عام 1932 وتشكيل الطبقة العاملة البحرينية ، عرفت البحرين الإضرابات العمالية المطالبة بتشكيل النقايات العمالية في 1938، وفي السنوات اللاحقة في منتصف خمسينيات القرن الماضي إِبَّان هيئة الاتحاد الوطني التي قادت نضال شعبنا في أعوام 1954/1956ضد الاستعمار البريطاني والرجعية ، حيث تشكيل اتحاد العمل البحراني في 1956 لم يدم طويلاً، وجاءت انتفاضة مارس المجيدة 1965، التي سبّب اندلاعها تسريح 1500 عامل من شركة بابكو وعلى دفعات، كان للطبقة العاملة دورٌ بارزٌ إضافة للفئات الاجتماعية الأخرى من المثقفين والمرأة والطلبة وسائر الكادحين المشاركة فيها بقيادة الحركة الوطنية البحرينية، ولا ننسى هنا إضرابات أعوام 1969، 1968، وبالأخص إضراب عمال وموظفين الكهرباء والتضحيات الكبيرة التي قدمت من قبل العمال والموظفين من سجن وفصل من العمل ولازال العديد من قادة الإضراب أحياءً .
بعد حصول البحرين على استقلالها الوطني في 14 أغسطس 1971، جرت العديد من التظاهرات والاحتجاجات العمالية المطالبة بتشكيل النقايات العمالية وتحسين الأجور وظروف عمل أفضل، وفي أعوام 1972 – 1973، وكذلك في عام 1974، إِبَّان تشكيل النقابات العمالية في فترة وجود المجلس الوطني 1973/1975، قبل أن يتحول الحراك النقابي والعمالي للعمل السري بعد حل المجلس الوطني في أغسطس من عام 1975، حتى مجيء مرحلة ميثاق العمل الوطني في فبراير 2001 ، في هذه المقدمة نكتب عن جزء من تاريخ الحركة النقابية والعمالية في البحرين.
بعد هذه المعاناة والآلام وسنوات المعتقلات والمنافي، والفصل من العمل، والمطاردات للنقابيين، والحرمان من تأسيس النقابات العمالية، تحققت بعض المكاسب وأهمها (صدور مرسوم بقانون رقم (33) لسنة 2002 بإصدار قانون النقابات العمالية في 24 سبتمبر 2002) الذي على ضوئه تأسست العديد من النقابات العمالية في قطاعات واسعة، وأصبح العمل النقابي منظماً ومؤطراً بشكل كبير وانخرط العديد من العمال والموظفين في النشاط النقابي والعمالي، وأصبح الأول من آيار/ مايو، عيد العمال العالمي، إجازةً رسميةً في عام 2003 ، وفي عام 2004 تأسس الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، كان المؤمل بأن يقود العمل النقابي والحراك العمالي نحو آفاق أوسع، ويكون ممثلاً حقيقياً للعمال وسائر الكادحين، ينتصر لمطالبهم ويدافع عن حقوقهم، ويكون عوناً لهم، ويتصدى لعسف وتسلط المدراء التنفيذيين ومجالس إدارات الشركات والمؤسسات التي لا يهمها حقوق ومكاسب العمال والنقابيين بقدر مايهمها مصالحها وتكديس الأرباح التي تجنيها بفضل إنتاجية العمال الذين يبذلون الجهد البدني والجسدي والنفسي من أجل جودة الإنتاج ، بدل من تحسين أجورهم وإعطائهم المكافآت المالية، يكون جزاؤهم بأن تصدر قرارات مجحفة بحقهم لتدمر مستقبلهم المهني والمعيشي .
حتى الإضراب أو الاعتصام يكون الملاذ الأخير للنقابيين كخيار يفرض عليهم ، عندما يمارس الإجحاف والعسف ضدهم، مثل الفصل التعسفي أو وقف الزيادات السنوية وغيرها من المكاسب النقابية، الغُبن يحدث للعمال والموظفين ليس فقط من الذي يفترض فيهم أن يكونوا صوتهم النقابي الصلب، الاتحاد العام أو الاتحاد الحر الذي تأسّس بعد أحداث عام 2011، كان شرخُ الانقسام كبيراً في جسد الحركة العمالية والنقابية التي ظلت ترفع فيها طوال تاريخها المجيد ذلك الشعار الأثير “الوحدة … الوحدة ياعمال”، هنا أتوقف لأتذكَّرَ صرخات رفيقنا النقابي الراحل عبدالجليل الحوري، وأحمد سند البنكي له الصحة والعافية وطول العمر، كانت صرخاتهم تصل إلى عنان السماء، تخرج من القلب لتصل إلى القلب الآخر .
الجهة الأخرى، أي وزارة العمل، التي يفترض أن تقف مع العمال وتنتصر لقضاياهم ومطالبهم المحقة ، من المؤسف أن يُتركَ العمال والنقابيون يخوضون معاركهم النقابية والقانونية لوحدهم مع الشركات ، بالرغم من كل الدعاوى والشكاوى والافتراءات ضدهم من المسؤولين، وجرجرتهم إلى ساحات المحاكم ، ولكن القضاة بما في ذلك المحكمة الدستوربة انتصرت لإحدى النقابات ، وإحقاق الحق ، فالعمل النقابي والنقابات العمالية تتعرض في هذه الأيام لهجمة شرسة من قبل العديد من الشركات الكبيرة في البلاد من أجل إفراغ النشاط النقابي والمهني من محتواه، لكي ترسل رسالة، بأن مصير من ينتمي للنقابة من العمال والموظفين، لا ترقيات لا زيادات سنوية ، خسارة كل المزايا والمكاسب التي تحققت لهم في السنوات السابقة ، مما يشكل قلقاً واسعاً للعمال والنقابيين وتصبح العضويةُ في النقابة العمالية “تهمةً ” تسبب الأذى إلى المنتسبين لها، لهذا يستقيل أو لا ينضم العديد من العمال للنقابة العمالية وهذا يتعارض مع المرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2002، ومع الحق الدستوري في المادة 27: “حرية تكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية ولأهداف مشروعة وبوسائل سليمة، مكفولة وفقاً للشروط والأوضاع التي يبينها القانون”.
لا يجوز أن يستمر هذا الوضع النقابي والتي تعمل تلك الجهات لإضعافه وإفراغه من محتواه، والتراجع عن تلك المكاسب التي تحققت وجاءت بفضل نضالات وتضحيات الروَّاد الأوائل من النقابيين، على قيادات الاتحادين (العام والحر) توحيد العمل النقابي في البلاد والدفاع عن النقابيين والنقابات ،وأن تكون بوصلتهم العمال والنقابيين وليس محاباة المسؤولين في هذه الوزاره أو الشركة أو السكوت عن الممارسات التعسفية للشركات والمؤسسات الكبيرة ضد العمال والنقابيين، والدعوة إلى تشكيل النقايات العمالية في القطاع العام “الحكومي”، لا يوجد أي نص قانوني يمنع من تأسيس النقابات العمالية في القطاع الحكومي.
وحدة الحركة النقابية والعمالية في البحرين ليست حاجة بل هي ضرورة تفرضها الوقائع الحادثة، الوحدة العمالية أقوى سلاح للتفاوض مع الجهات المعنية بالشأن النقابي، ومن خلالها تستطيع الحركة النقابية فرض شروطها في التفاوض، ومن عمل على تفكيك وحدة الحركة النقابية في البحرين كان يهدف إلى إضعافها وفرض إملاءاته وتحقق له ما أراد .
هناك من أدار ظهره للعمال ومعاناتهم ، وبدأ يبحث عن مآربه الخاصة، بعد أن نال ثقة العمال في القيادة، وإذا بهم في عالم آخر ، ليس له مكان في قاموس العمل النقابي والقيم والأعراف النقابية، ما يثلج الصدور بأنه لازالت كوكبة من النقابيين المخلصين لتاريخ الحركة النقابية البحرينية، هؤلاء النقابيين الشجعان، ينكرون ذاتهم ويضحون من أجل العمال ويرفضون كل الإغراءات التي تقدم لهم من أرباب العمل لثنيهم عن التمسك بإرادته الحرة ،و الدفاع عن حقوق العمال، ففي الظروف الصعبة يعرف معدن الرجال، نرفع لهم القبعات ونقول لهم أنتم أمل العمال والكادحين في بلادنا، واصلوا المسيرة واعملوا من أجل وحدة الحركة النقابية والعمالية في البحرين.