في الحياة العصرية الحديثة، لا يستطيع أحدٌ أن يتجاهل أهميّة التحديث والتقدُّم، على مستوى الادارة والمؤسسات والأنظمة. ذالك التحديث الذي يكون فاعلاً وناجحاً، بالقدر الذي يتجه فيه نحو القيم العادلة والصحيحة، تلك التي تساهم بتعزيز المصلحة الوطنية والمصلحة العامّة.
إن المبادئ الادارية في الأمم المختلفة، يتم تأسيسها وفق حسابات الفائدة والنجاح، القريبة والبعيدة المدى، وعلى قاعدة المصلحة الشاملة والأرقام الواضحة، تلك المرتبطة بالميزانيات العامّة والرقابة المالية.
في بلدنا البحرين، الاتجاهات مختلفة وغريبة تماماً ؟ حيث أن الادارات الحكومية، وعبر أعلى مستويات القرار فيها، بدأت تنظر إلى المكتسبات البحرينية، وكأنها عبئٌ على الدولة وميزانيتها..؟! وهذه الاتجاهات، وهذه الرؤية، بعيدة كل البعد عن المصلحة البحرينية والمصلحة العامّة.
في البحرين، وفي تاريخ 26 سبتمبر من العام 2022، تحدث رئيس المجلس الأعلى للصحة، عن تفاصيل الخدمات الصحية، عبر تطبيق (نظام الضمان الصحي)، بحسب الخبر الذي نقلته، وكالة أنباء البحرين الرسمية.
إن الأخبار الواردة والمرفقة، في هذا الخبر وهذا المشروع، تحمل الكثير من النوايا الغير واضحة ؟ فهي تتحدث عن حقوق المواطنين في الرعاية الصحية، وأيضاً تتحدث عن الرسوم الجديدة، بنظامها الضريبي والمالي، على البحرينيين والمقيمين. وهنا نتسائل عن حقيقة هذا التطوير، الذي يتجاوز مكتسبات البحرينيين في الرعاية الصحية، والتي تعتبر منجزاً أصيلاً في بناء الدولة الحديثة في البحرين.
المكتسبات البحرينية الأصيلة، هي المكتسبات الأكثر أهميّة بالنسبة للبحرينيين، ورعايتها وحمايتها مسؤوليةٌ على الجميع؛ خصوصاً الجهات الحكومية العليا، صاحبة القدرة والقرار في ادارة الأزمة، نحو مكتسبات البحرينيين في الرعاية الصحية.
إن الاتجاهات الادارية والمالية في بلدنا البحرين، تواجه الأعباء الادارية الكبيرة، في معالجة الملفات المالية المختلفة؛ والتوجه نحو خيارات الخصخصة، ليس خياراً مربحاً للبحرين والبحرينيين أبداً. والميزانية العامّة، التي تتجه نحو وزارة الصحة، ويتم انفاقها على الخدمات والمؤسسات الصحية، ستتجه بالقدر نفسه وربما أكثر، على الجهات المنافسة لأخذ (المناقصة)، والتي ستفتح المجال للسرقة والفساد، بوجود هذا الوسيط الجديد، على خطوط الميزانية العامّة وأموال الدولة.
هذا هو أحد جوانب الموضوع، وهناك أيضاً جانب التأمين الضريبي؛ الذي يطالب البحرينيين بالتخلي عن مكتسباتهم في الرعاية الصحية، والدخول في حسابات الجودة والامتيازات، البعيدة عن المصلحة البحرينية والعدالة الاجتماعية المنشودة. إن سياسات التوازن المالي في البحرين، تعالج تحدّياتها المالية، على حساب مكتسبات البحرينيين ومصالحهم؛ والخيارات الصحيحة، تكون عبر الاستدعاء العاجل إلى المخلصين البحرينيين، أصحاب الخبرة والكفاءة في الشؤون الاقتصادية والمالية، لمعالجة التوازن المالي، وفق حسابات الأرباح والادارة الحكيمة، التي تستطيع بلورة الرؤية المالية وضبط الأرقام، من أجل حماية الميزانيات العامّة وقيادتها نحو الاستقرار.
إن مؤسسات الدولة في البحرين، هي مؤسساتٌ للبحرينيين، هي مكتسباتهم وحقوقهم، هي انتمائهم ومصالحهم، هي حاضرهم ومستقبلهم؛ الذي يعكس وجودهم في هذه الحياة، ويعزز فكرة بناء الدولة والمواطنة لديهم. ذالك الذي يحتاجه البحرينيُّون منذ أكثر من أي وقتٍ مضى. ولذالك يكون اللجوء لخيارات الخصخصة، تراجعاً كبيراً في حق البحرين والبحرينيين. وكلمة البحرين هنا، تعني بالدرجة الأولى؛ المصالح المالية ومؤسسات الدولة، التي سيكون بعيداً عن الحكمة والعدالة التخلي عنها.
التحديث والتقدُّم في الادارة والمؤسسات، هو أمرٌ ينشده جميع البحرينيين في هذا البلد، وطموحات التطوير والتحديث، تستطيع الكفاءات البحرينية تنفيذها؛ من خلال التعاون مع الخبرات المهنية، ومن ذوي النزاهة والاختصاص، وعبر وجود العامل البرلماني والرقابي معها، تتجه مؤسساتنا العامّة نحو الأفضل. وأتذكر هنا التساؤل والاشادة، بنظام الرعاية الصحية الموجود في بلدنا البحرين؛ ذالك الذي أشارت إليه الصحافية، الأستاذة عصمت الموسوي، قبل 6 أشهر على صفحات هذه النشرة، في عدد يوليو من العام 2022، والذي اقتبس منه هذه الفقرة التالية: “نظام الصحة الوقائية تحديداً، والمتمثل في المراكز الصحية المجانية، يعدُّ واحداً من أفضل المنجزات الصحية الناجحة في بلدنا منذ سنوات، وهو نموذجٌ رائدٌ على مستوى الخليج والعالم العربي، وعلى صعيد العالم ربما، وهو أحد المؤشرات التي على اساسها حصلت البحرين على مراتب عالية في تقرير التنمية البشرية الأممي، وهو جديرٌ بالتعزيز وبالإحتذاء، فلماذا نغيّره، وبأي كيفية، ومَنْ الرابح ومَنْ الخاسر من هذا التحوّل ؟”.
إن هذا الاقتباس الموجود أعلاه، ليس تساؤلاً فحسب؛ إنما هو توضيحٌ للمنجزات والمكتسبات الموجودة في بلدنا البحرين، والتخلي عنها نحو سياسات الخصخصة الضريبية، هو أمرٌ بعيدٌ عن تحمُّل المسؤولية. ونستطيع معالجة التحدّيات المالية، بالطريقة الذاتية والمسؤولة؛ من خلال المخلصين البحرينيين، أصحاب الخبرة والكفاءة في الشؤون الاقتصادية. والطريق الواضح نحو تحقيق ذالك، يكون عبر النزاهة وتحمُّل المسؤولية، وهو الطريق الواعي والصحيح؛ الذي سيرتقي بمصالحنا ومؤسساتنا، ويقود التوازن المالي نحو المسارات المطلوبة.
الوعي الكبير بمكانة الصحة العامّة، على المستوى الحكومي والاجتماعي، هو ضرورةٌ لحياتنا الصحية في البحرين. والاتجاهات الموجودة في ثقافتنا الاجتماعية، بحاجةٍ إلى المزيد من الوعي والادراك، لمكانة الصحة وأهميّتها في حياة الأفراد. إن الصحة هي قاعدة الحياة الأولى، وتراجعها في حياة البحرين والبحرينيين، سينعكس على مسارات الحياة المختلفة؛ في النهضة والاقتصاد والعمل. وتعزيز مكانتها في الثقافة البحرينية، هي مسؤوليةٌ مشتركةٌ على جميع البحرينيين، يتعاون في حمايتها ونهضتها هذه الجهات التالية: وزارة الصحة البحرينية، التربية والتعليم، الوعي الأسري والاجتماعي، الثقافة والاعلام.
إن كلمة المصلحة البحرينية في ثقافتنا العامّة، الحكومية والاجتماعية، لازالت بعيدةً عن الوعي والوضوح والمسؤولية. وهي كلمةٌ عظيمة، نستطيع عبرها الارتقاء بهذا البلد العزيز نحو الأفضل؛ أي نحو البناء والتنمية، في الانسان والمواطنة والهوية، نحو الاحترام الذاتي والانساني، الذي يقودنا نحو الخير والهناء والسعادة.
إننا في البحرين، ومن خلال تحمُّل المسؤولية والايمان الحقيقي بالمصلحة العامّة، نستطيع مواجهة تحدّياتنا بكل ثقة وشجاعة، وبروح النزاهة والشرف، في الاخلاص والعمل والخدمة؛ نستطيع أن نرتقي بمصالحنا البحرينية وحماية مكتسباتنا العامّة. إن الغد الأفضل الذي يتطلع إليه البحرينيُّون، هو الطموح الأغلى في حياتهم ووجودهم. وتستطيع الشخصية الايجابية والحكيمة، الموجودة اليوم في القيادة الحكومية، المبادرة والانجاز في ادارة الأزمة، وتحويلها إلى فرصة استثنائية؛ من أجل تحقيق البداية المنشودة، التي نوجزها بكلمة الوطن والمواطنة، ومعناها رعاية البحرينيين ومصالحهم.