في أي عمر تبدأ الكتابة؟

0
25

كان مؤلف الرواية البوليسية الشهيرة “السبات العميق” ريموند تشاندلر في الخمسين من عمره حين نشر الرواية التي لم يسبق له أن كتب سواها، ومع ذلك حققت تلك الرواية نجاحًا كبيرًا، وطُبعت عدة مرات، وحُوّلت أكثر من مرة إلى السينما،  ومثله كان مؤلف رواية “رماد أنجيلا”، فرانك ماكورت، في أوائل الستينات من عمره حين وضع روايته تلك، لتجعل منه كاتبًا مشهورًا.

وهذان ليسا سوى مثالين على أشخاص، لم يسبق لهم أن عُرفوا ككتّاب، وولجوا عالم الكتابة متأخرين، بعد حياة أفنوها في العمل، وربما يكون بعضهم قد قضاها في اللهو، ثم تحوّلوا إلى الكتابة في أعمار متأخرة، فأنجزوا كتبًا، قد لا تتجاوز، في بعض الحالات، كتابًا واحدًا، ولكنهم  حققوا من الصيت والمكانة ما أخفق كتّاب أفنوا أعمارهم في الكتابة في بلوغه.

قد تلعب المصادفات دورها في ذلك، فلعلّ الكتاب الذي نالوا بسببه الشهرة ليس متميزًا، لا في المحتوى ولا في تقنية الكتابة، لكن قد يكون العكس أيضًا، فلعلّ العمل الذي جلب لهم الشهرة، نتاج تجربة مديدة في الحياة تراكمت، وصار بوسعهم التعبير عنها، وقد يكونوا على موهبة لم يتيسر لها أن تفصح عن نفسها، بسبب أن الحياة أخذتهم، قبل ذلك، إلى مسارات أخرى، وارت هذه الموهبة في الظل، لكن لم توأدها، حتى حان وقت استيقظت فيه، وربما يصحّ على هؤلاء ما أورده غابرييل جارثيا ماركيز في سياق حديثٍ عن تجربته في الكتابة،  فيه يقول إنه تعلّم من ارنست همنغواي الذي لا يعتبره بالمناسبة روائيا عظيما إنما كاتب قصة ممتاز، درسًا ثمينًا مفاده إن الكتابة السرديّة مثل جبل الجليد، يجب أن يدعمها الجزء غير المرئي، الذي يتلخص في كل الأفكار والدراسات والمواد التي تم جمعها

نجد من حولنا اليوم ظاهرة يتجه فيها الكثيرون إلى الكتابة متاخرين، لكن ليس جميعهم موهوبين، بل إن بعضهم، وبعد اخفاقات في ميادين أخرى في الحياة، يحسبون أن نشر الكتب، أيًا كان مستواها، سيكون جالبًا للشهرة، خاصة في ظل انعدام معايير النشر المهني، وتحوّله إلى تجارة: “ادفع وسننشر لك”، وليس مهمًا مصير ما طبع، طالما كان الناشر قد امّن أرباحه سلفًا.

 وعلى هذا الطراز من “الكتّاب” أن يستمعوا إلى تتمة قول ماركيز في الحديث نفسه، الذي أفاد أنّه تعلّم شيئًا آخر من كاتب اسمه جوان بوش من الدومينكان سمعه يقول إنه يتعيّن على الكاتب أن يتعلم مهنة الكتابة – التقنيات، أسلوب البناء، التركيب المحكم والدقيق خلال فترة الشباب، لأن الكتّاب مثل الببغاوات لا يستطيعون أن يتعلموا الكلام عندما يصبحون كبارًا.