الزلزال والانتخابات المصيرية في تركيا

0
28

لم تنته آثار زلزال تركيا بعد، ولا يبدو أنها ستنتهي في القريب العاجل. في المقابل، تتحول الكارثة، كما كتب الباحث والصحافي اللبناني جو حمورة، إلى ميدان خصب للتنافس السياسي بين الحاكم الحالي وأحزاب المعارضة، منافسة على أشلا الجثث وأنقاض المباني المهدمة والمدن المبعثرة، إذ يحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه الاستفادة من الأزمة، فيما معارضوه يقتنصون “الفرصة” لإزاحته من السلطة التي تربع على عرشها منذ عام 2002 وحتى اليوم. يعرف الرئيس التركي جيدا، أن الزلزال في بلاده ليست حدثا طبيعيا فحسب، بل كارثة لها تأثيراتها في السياسة أيضا، خصوصا أن وصوله إلى السلطة ترافق مع زلزال مرمرة في ولاية كوجالي عام 1999، الذي أودى بحياة 25 ألفا على أقل تقدير. تلك السنة والسنوات التي تلتها، راح أردوغان وأنصاره بقلٓبون الرأي العام على السلطات القائمة، ويحملونها مسؤولية التقصير في مواجهة الكارثة وسوء حال البلاد.

استفاد أردوغان وحزبه “العدالة والتنمية” من زلزال مرمرة، للظهور كمنقذين لبلادهم من حالة الخراب وعدم اكتراث السلطات، ثم ظفر أردوغان ومن معه في الانتخابات البرلمانية وشكلوا حكومتهم حتى اليوم. شكل زلزال 1999 فرصة لأردوغان، فيما شكل زلزال 2023 أزمة له. تحول من مقتنص فرصة إلى مدافع عن الوضع القائم. هذا ويسعي الرئيس التركي جاهدا إلى الاستفادة من الزلزال لمصلحته. فأعلن عن إعطاء كل عائلة متأثرة بالكارثة مبلغ 10 ألف ليرة تركية (نحو 530 دولارا أمريكيا)، كما أعلن عن مشروع بناء وحدات سكنية جديدة في الولايات المتضررة لإيواء الذين تهدمت منازلهم.

هذه المساعدات والوعود تبدو أقرب إلى رشوة انتخابية من مساعدات حقيقية، إذ سيتم دفعها في الأشهر المقبلة، أي في فترة الانتخابات الرئاسية والنيابية المزمع إجراؤها أواخر الربيع المقبل. هذه الانتخابات ستكون المنافسة الأخيرة التي يخوضها أردوغان في مسيرته السياسية، إذ يسعي جاهدا إلى الفوز بها ليحكم لولاية رئاسية أخيرة، ليكون المتربع على سدة الحكم هي الجمهورية التركية في ذكرى تأسيسها المئوية الأولى في خريف عام 2023. وعلى الرغم من بعض التسريبات الإعلامية التي تفيد بأن السلطات قد تعمد إلى تأجيل الانتخابات لبضعة أشهر.

 يجهد أردوغان وحزبه كما الأحزاب المنافسة على التصرف كمرشحين للانتخابات بعد وقوع الزلزالين، لا كمسؤولين في الدولة. ركزت وسائل الإعلام التركية الموالية في عراضة انتخابية أخرى لحزب “العدالة والتنمية” على نشر صور ومشاهد من نقل طائرتي أردوغان الخاصتين عشرات الأطفال والمصابين إلى المدن الكبرى بعيدا من أماكن الخطر. كما راح “الجيش الإلكتروني” التابع للحزب الحاكم والمناصر لأردوغان يبث مشاهد استقباله “بحفاوة” قرب المباني المدمرة، ويظُهر دعوات رجال ونساء الأحياء له بطول العمر وبالمزيد من الإنجازات. عدا الوعود الانتخابية، لم ينس الرئيس التركي رسالة إلى خصومه، إذ أعلن أن “الاستفزازات وبث الشائعات من وسائل الإعلام وأحزاب المعارضة والمواطنين لن تكون مقبولة”. وتلي ذلك، مباشرة، تصريح من وزير العدل أعلن فيه أن كل مخالف ومقصر ومتجن سيواجه بالعقوبات القاسية.

وعلى الجانب الآخر، ليست تصرفات أحزاب المعارضة أفضل بكثير من تصرفات أردوغان وحزبه، زعيم حزب “الشعب الجمهوري” المعارض الأبرز، كمال كيليتشدار أوغلو، صب جام غضبه على أردوغان وحزبه، إذ أعتبر “أنه المسؤول عن الكارثة، وهذه الحكومة لم تجهز البلاد لمواجهة الزلازل على الرغم من وجودهم في السلطة مدة 20 عاما. لهذا السبب لم أفكر في التواصل والتحدث مع أردوغان، وأنا لا أرى هذه القضية فوق السياسية أبدأ. إن السياسية هي من أوصلتنا إلى الوضع الحالي”.

ومنذ أشهر، تجهد 6 أحزاب معارضة على تشكيل تحالف سياسي واحد لمنازلة أردوغان وحزبه انتخابيا، وهي تراهن على ضعف الاقتصاد التركي المستجد في السنوات القليلة الماضية، كما على التأثيرات السلبية المتزايدة للاجئين السوريين على المجتمع التركي، فيما أتت الزلازل كفرصة ذهبية لها من أجل تأليب الرأي العام التركي وإضعاف الحزب الحاكم، بخاصة أن أعمال الإغاثة لا تبدو جيدة، كفؤة أو سريعة بالقدر الكافي. بالعودة إلى الاستفادة السياسية، فقد حزب “العدالة والتنمية” الحاكم إحدى شخصياته جراء الزلزال، وهو النائب يعقوب تاش. فيما راحت وسائل الإعلام الموالية للحكم تصفه بالشهيد وتحول موته لدعاية سياسية وانتخابية.

على الرغم مرور يضعة أيام على الكارثة في تركيا، يحاول الجميع سريعا، الاستفادة واستثمارها سياسيا وانتخابيا، ومن المتوقع أن تشهد الأيام المقبلة محاولات جديدة لتهييج مشاعر الناخبين لتجييرها في الصناديق… يحصل ذلك فيما لا يزال الآلاف تحت الأنقاض، مقابل الملايين من المتضررين والمشردين والمصابين، فعلى وقع تراجع الآمال بانتشال المزيد من الأحياء، يخوض أردوغان وخصومه معركة انتخابية جانبية استباقية… تحضيرا للانتخابات المقبلة.


 ذكرت صحيفة أحوال التركية في تقرير لها، مع أن الوضع الكارثي الذي باتت فيه تركيا في ظل مأساة إنسانية قبرت خلالها عائلات بأكملها تحت الأنقاض وتشردت معها آلاف العائلات، قد لا يسمح بالخوض في سيناريوهات ما بعد الزلزال وارتداداته السياسية، إلا أن السجالات الأخيرة بين الرئيس أردوغان ومعارضيه تشير بكل وضوح إلى مواجهة محتدمة ستشكل تبعات الزلزال مادة خصبة لها. ومع تبادل الطرفين اتهامات كان آخرها اتهام حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض في تركيا لحزب العدالة والتنمية الحاكم بالاستيلاء على المساعدات التي تبرع بها مواطنون وتوظيف ذلك انتخابيا عبر الاحتيال من خلال وضع ملصقات للحزب على صناديق التبرعات. وفي ظل الوضع الكارثي أعلن الرئيس التركي حالة الطوارئ وقد يتعلل بذلك لتأجيل الانتخابات وهو سيناريو وارد جدا خاصة بعد تعرضه لانتقادات حادة عمقت متاعبه ودفعت شعبية مجددا لمستويات دنيا.

وقبل الزلزال كان أردوغان يقاوم بشدة لاستعادة ثقة الناخبين وبالفعل استطاع ترميم بعض من شعبيته عبر إجراءات اجتماعية يصفها معارضوه بـ “الخادعة”، لكن الكارثة الأخيرة نسفت كل تلك الجهود وأعادته للمربع الأول. وتعتقد مصادر محلية وغربية أن الوضع الراهن لما بعد الزلزال لن يخدم أردوغان وحزبه انتخابيا وأنه قد يستخدم مجددا صلاحياته الدستورية لإرجاء الاستحقاق الانتخابي. وبمجرد أن يهدأ ضجيج حصر الضحايا ويستقر رأي السلطات على إزالة ركام أسوأ زلزال يضرب البلاد، وحصر الخسائر الاقتصادية للكارثة التي جاءت بينما تستعد تركيا للانتخابات التي قدم الرئيس التركي موعدها من يونيو إلى مايو القادم ، ستفتح المشهد السياسي التركي على أكثر من أزمة سياسية ومالية وسط سجالات بدأت مبكرا بين المعارضة التركية والحكومة التي تحاول لملمة فضيحة الانهيارات غير المفهومة لآلاف المباني بينما بقيت أخرى مجاورة لها صامدة، ما يعني وجود مخالفات واسعة لمعايير البناء خاصة في مناطق بلدية يديرها مسؤولون من حزب العدالة والتنمية الحاكم.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي