فبراير 1955 طير في سماء البحرين

0
50

1- البداية..

في صبيحة الأول من يونيو من العام 1939 من القرن الماضي تفجر البئر رقم 1 من البئر 45، ومن هنا انتهز المستعمر البريطاني الوضع المتردي الذي يعيشه الغواصون من جشع(النواخذة) في أوقات الغوص، حيث بعدهم عن أهاليهم لفترات طويلة تزيد عن الفترة المتفق عليها، وعدم مراعاة عطلات العيد ،وعدم إعطاء أهمية لحرمة الميت، حيث العودة إكرام للمتوفي ولأهله، هذا عدا القلة في الزاد والماء، وبهذا فكر المستعمر في استغلال تفجر البئر رقم 1، وأعلن طلب عمال للعمل في الشركة في نفس المنطقة التي تفجر فيها البئر(الجبل)، فقام الغواصون بالذهاب للعمل في الشركة، وأطلق العنان للشركات البريطانية لاصطياد اللؤلؤ بلا ضرائب ولارقيب ولاحسيب، وقام المستعمر أيضاً باستغلال العمال الغواصين، منتهزاً حصولهم على مرتب شهري دائم، الأمر الذي جعلهم ينتبهون لهذا الاستغلال بفضل توعيتهم وتعليمهم من قبل المناضلين الشباب الذين يعملون في السر، حيث قام الشباب المثقف الذي ارتأى خطوات تختلف عن خطوات هيئة الاتحاد الوطني التي تتمتع بمقارعة الاستعمار ولم تهادنه، حيث تعرض الكثير من قادتها إلى السجن والنفي، وأبرزهم  عبدالرحمن الباكر وعبدالعزيز الشملان ورفاقهما ونفيهم إلى جزيرة (سانت هيلانا) البريطانية.

 لكن العمل النضالي أتى بثوب جديد حيث قام شباب مثقف أخذ عهداً على نفسه بمقارعة الاستعمار مهما بلغت التحديات ومواصلة النضال، حيث قام هذا النفر جبهة التحرير الوطني  في 15 من فبراير 1955 بمنهج (الفكر الماركسي اللينيني)، وذلك وسط حذر شديد وسرية تامة آنذاك، حيث أسهم الحزب الشيوعي العراقي وحزب الشعب الإيراني (توده)، بدعم تأسيس الجبهة مثل أي حزب يساهم في دعم رفاق له.

فما سهل على حراك الطبقة العاملة التي تبنته الجبهة وبرز في أولويات أدبياتها، حيث ازداد نشاط طبقتنا العاملة، وبدأت الانتفاضات في مارس من الأعوام من1956،1965، 1969، 1972، وقد شاركت فيها جميع فئات الشعب البحريني بكل انتماءاته، عمالاً ومثقفين، واستمرت الانتفاضات رغم القمع والاعتقالات والمداهمات.

2- الإضرابات في البحرين

مارس 1965 قام عمال شكرة النفط البحرين المحدودة (بابكو)، وهي إحدى الشركات الفرعية المملوكة بالكامل لشركة أمريكية، وهي معروفة الشركة الشهيرة الوحيدة التي تتصرف في استخراج النفط الخام وتكريره، قام العمال في الشركة ومعظمهم من العمال العاملين على ظهر سفن الغوص، وعلى اثر هذا الاضراب نتيجة لفصل ما يقارب 400 عامل، وقد بررت الشركة عملية الفصل لهذا العدد لاستبدالهم بأجانب لرخص الأيدي العاملة الأجنبية، التي أعطى مبرر العمال المفصولين بالتقدم بشكوى إلى وزارة العمل، وتسمى آنذاك (دائرة العمل البحرينية)، ومن ثم بدأوا بإضراب وتجمهروا أمام الشركة ومن ثم توسع اضرابهم الشامل، وساندهم عمال الشركات في البحرين وفي مقدمتهم عمال الشركة في (عوالي) المقر الرئيسي للشركة، ولعدم استجابة وزارة العمل لشكواهم توسعت حركة الإضرابات في عموم البحرين.

 وقد شارك في الاضراب الطلاب والمثقفون وتعاظمت حركة الإضرابات لتشمل قطاعات كبرى بعد أن كان العدد قليل وتزايدت وأصبحت انتفاضة في كل ربوع البحرين، وفي صبح تجمهر المضربون عند دوار مستشفى الطب النفسي بعد أن تمركزت قوات من الجيش (الحرس الوطني)، وذلك بعد علمهم بأن المضربين سيوقفون سيارات الشركة (سالم خطر) التي تصطف في مواقفها التي تتوقف في المكان المخصص لها في محل (ديري كوين) حالياً، حيث ذهب عمال الشركات إلى هذا المكان في منطقة القفول من جميع الشركات عبدالله ناس، العفو، كريمي، جون هورد، براون اند روث، فيليب هولزمان وتفاجأ الجيش والشرطة بهذه الاعداد والتي انبطح بعض العمال امام باصات الشركة التي تحمل بعض العمال من شركة بابكو، وذلك لمنعها من السير، لكن الضابط المسؤول أمر سائقي السيارات بالمشي على المنبطحين، فنزل سائقو الباصات ورموا مفاتيح السيارات وقالوا (طال عمرك احنه ما نمشي السيارات على بني آدم) فقام الضابط بإعطاء أمر لاعتقال بعض العمال واطلاق قوارير مسيل الدموع بقصد تفريق المحتجين، ومن ثم استمرت الانتفاضة رغم الاعتقالات، وقد تقدّمت النخب الوطنية باحتجاجات واستنكارات .

إن الطبقة العاملة أصرت على مواصلة الاحتجاجات لأيام متواصلة ،في حين نظمت الطبقة العاملة صفوفها وبنت تنظيمها (الاتحاد الوطني لعمال البحرين)، والذي أصرّ الوقوف في وجه هذه الاعمال التعسفية رغم الاعتقالات، وبعدها حقق الشعب مطلبه في السبعينات بعد رحيل المستعمر وتحقق أهم مطلب وهو الضفر بالبرلمان والذي فازت فيه كتلة الشعب بفوز كبير بعدد 8 مقاعد لنواب الكتلة وتحققت الكثير من المطالب بدعم الحركة الوطنية والعمالية التي أكدت على حرية العمل النقابي، وفعلاً قام عمال الإنشاء بتشكل نقابة والتي أعدّت أكبر نقابة من بين النقابات التي تحقق تشكيلها، حيث صدر قرار من وزارة العمل والشؤون الاجتماعية السماح للعمال بتشكيل نقابات، فتتالى تشكّل النقابات في دوائر الكهرباء والصحة والمطار وألبا بتشكيل اللجان المشتركة، ومن ثم النقابات في طور التشكيل مثل بابكو وسليب واي والبريد، الأمر الذي جعل طبقتنا العاملة إلى تهدئة الإضرابات حفاظاً على مسيرة الحراك الوطني التي تتصدى لمقاومة الجشع البرجوازي والاستغلال .

لكن هذا البريق الجميل لم يدم، حيث أقدمت السلطة على حل البرلمان وعطلت بنود الدستور وجمدت معظم القوانين التي فتحت الآمال للشعب، واعتقلت بعض النواب منهم محسن مرهون وعلي ربيعة، وفي خطوة بالتواصل مع اتحاد العمال العرب أقدمت الحكومة على حضور مؤتمرات الاتحاد بوفد حكومي مطعم ببعض العمال، مما رفضت من قبل الاتحاد، وطلب منها الحضور بشكل عمالي لا حكومي.

في صبيحة 22 أكتوبر العام 1974 في تمام الساعة الثانية عشرة وخمس دقائق جاء خبر صدور المرسوم بقانون بشأن تدابير (قانون أمن الدولة) نافذاً، وتمّ تطبيقه على خمسة من المعتقلين، وساد التوتر آخر جلسة وبدأ النواب مباشرة بالتشاور وفي يوم 31 أحال رئيس المجلس الأستاذ حسن الجشي المرسوم بقانون إلى اللجنة المختصة، (لجنة الشؤون الخارجية والدفاع) والتي شكلت اجتماع في 25 نوفمبر، وتواصلت العرائض الشعبية تطالب بإسقاط المرسوم. والذي رفضته كتلتا (الشعب والوسط)، أما الكتلة الدينية فكانت مترددة في البداية، ولكنها انضمت  انضمت لاحقاً للأغلبية في رفضه، حيث قامت الدولة بحلّ المجلس، وساد الوطن حزن بعد فرح بعلاج الأمور عبر بيت الشعب، عبر الديمقراطية.

ملاحظة: في الخامس عشر من أكتوبر 2007 احتفلت شركة نفط البحرين (بابكو) بمرور 75 عاماً على استخراج النفط في البحرين 1923-2007، وقد شارك في الاحتفال ما يقارب 18 ألف مشارك وبهذا يكون قد مضى تسعون عاماً على استخراج النفط في البحرين (1923-2023).