شهر مارس يشهد العديد من المناسبات العالمية والمحلية ذات الصلة بنضالات الشعوب والتضحيات الجسام. نضالات ضد الوجود الاستعماري المتمثل بسياساته الرامية لاستغلال الإنسان للإنسان ونهب خيرات الشعوب، نضالات من أجل الحرية والاستقلال والديمقراطية والسلم، نضالات مناهضة للحروب والدمار، منادية لإحلال السلام العالمي من أجل تحقيق الرفاهية والرخاء للبشرية جمعاء، نضالات من أجل نيل المطالب المشروعة في العمل والصحة والتعليم والسكن وحرية العمل النقابي والسماح بنأسيس مختلف المؤسسات المدنية ذات الصلة بالعمل السياسي الرامي لرفعة الوطن والمواطن، مؤسسات حزبية واتحادات نسائية وطلابية وجميات خيرية، نضالات من أجل رفع مستوى المعيشة وحلحلة مسألة البطالة والغلاء وكافة الأزمات السياسية والاقتصادية التي يشهدها العالم اليوم.
وفي شهر مارس يستذكر الشعب البحريني الذكرى الثامنة والخمسين لانتفاضة مارس المجيدة عام 1965 التي سقط خلالها العديد من الشهداء من مختلف مناطق البحرين أثناء المواجهات البوليسية في المحرق والنويدرات والعاصمة المنامة والتي كان نتاجها ارجاع العمال المفصولين من شركة بابكو وتحديد ساعات العمل بثمان ساعات، كما يستذكر أيضاً الذكرى الحادية والخمسين للانتفاضة العمالية عام 1972 التي دعت السلطة لإعلان المجلس التأسيسي الذي صاغ أول دستور للبلاد لمناقشته واقراره في المجلس الوطني المنتخب عام 1973، ذلك المجلس الذي لم تكتمل دورته الانتخابية بسبب صدور قانون أمن الدولة السيء الصيت، والذي بالرغم من صرامة مواده التعسفية الموجهة ضد الحركة الوطنية إلا أن نضالات الشعب البحريني لم تتوقف، بل استمرت حتى عهد الاصلاح بداية القرن الحالي والتي شهدت ندوات سياسية في مختلف أندية البحرين بصورة علنية واصدار قرارات عليا بالغاء قانون أمن تدابير أمن الدولة بالإضافة إلى السماح بعودة جميع المنفيين السياسيين للبلاد، كذلك تمّ اصدار ميثاق العمل الوطني الذي أكدّ على أحقية المرأة في الحياة السياسية ومشاركتها في اتخاذ القرار السياسي كما أتاح الفرصة لها بالاحتفاء بيوم المرأة البحرينية في ديسمبر من كل عام، وكذلك الاحتفاء بيوم المرأة العالمي في الثامن من مارس الذي يعتبر حدثا عالمياً.
وشهد الثامن من مارس هذا العام بالذات فعاليات عديدة بيوم المرأة العالمي، فقد أصدركل من المنبر التقدمي والجمعيات النسائية بيانات تؤكد المطالبة بمساواة المرأة بالرجل في كافة الحقوق السياسية والاجتماعية انطلاقا من مفهوم ان بناء الدولة المدنية الديمقراطية وتحقيق العدالة الاجتماعية مرهون بمشاركة المرأة في كافة المستويات، وحيّت تلك البيانات نضالات المرأة البحرينية الذي لا ينفصل عن نضالات المرأة على المستوى العربي والعالمي وخاصة نضالات المرأة الفلسطينية التي مازالت ترزح تحت نير الاحتلال الصهيوني، كما أقامت جمعية المتحدثين باللغة الروسية حفلا بمناسبة الثامن من مارس ألقيت فيه كلمات باللغتين العربية والروسية حول نضالات المرأة العالمية وبالأخص عن نضالات المرأة البحرينية والفلسطينية. هذاعلى المستوى المحلي، أماعلى المستوى العالمي يحتفل العالم بعيد النيروز (عيد الأسرة) في الحادي والعشرين من هذا الشهر.
الجدير بالذكر أن شهر مارس شهد أيضاً مناسبات وطنية على مستوى الوطن العربي بالتحديد، حيث ان الحركة التقدمية الكويتية تحتفي في الرابع عشر منه بذكرى تأسيس حزب اتحاد الشعب (الحزب الاشتراكي للطبقة العاملة الكويتية الذي تأسس عام 1975)، كما يحتفل العراقيون أبضا بميلاد الحزب الشيوعي العراقي في نهاية مارس من كل عام رغم تقلبات الظروف رافعين الرايات الحمراء في تحدٍ صارخ لطبيعة الأنظمة السياسية المختلفة التي مرت وتمر على العراق، كما يحتفل الشعب الفلسطيني بيوم الأرض في الثلاثين من هذا الشهر رغم الطروف القاسية التي يواجهها جراء سياسة القمع والإرهاب التي تمارسها السلطات الصهيونية في شتى بقاع فلسطين.
وكالعادة تتسابق بعض الصحف والمجلات المحلية والعالمية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة في طرحها وتحليلاتها لمجمل تلك الأحداث الانفة الذكر، ولكن بوجهات نظر مختلفة، والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا يتكرر هذا المشهد في كل عام. هل هناك أسباب ودوافع متجددة للاحتفاء بهذا الكم من المناسبات الوطنية في هذا الشهر؟
إنّ التاريخ السياسي لحركة النضال الجماهيري في العالم وطبيعة الصراع الطبقي يثبت تلك الأهمية، حيث تتجدد الأسباب والدوافع كلما تجددت الظروف الموضوعية والسياسية في العالم والبحرين جزء من هذا العالم، فمن الأهمية بمكان تدوين الحقائق التاريخية بصورة موضوعية للأجيال الحالية والقادمة، ليستقوا من هذا التاريخ العبر والدروس المستجدة في الحياة المتجددة حسب تغيّر الظروف والمكان في هذا البلد أو ذاك من ناحية، ولإثبات الحقائق التاريخية والسياسية من ناحية أخرى، لتفادي التشوهات وطمس الحقائق، وخير دليل على ذلك هو ما نشهده اليوم من مغالطات وتشويه في تدريس المناهج التعليمبة في مختلف البلدان العربية وبالتالي غسل أدمغة وأفكار الأجيال القادمة وتفريغ عقولها من معرفة الحقائق وواقع الحياة التي سوف يعيشونها، فالكثير من الناس مازالوا يجهلون التاريخ النضالي لحركة التحرر الوطني وخصوصا في البحرين، فالحياة البرلمانية السائدة اليوم لم تكن محض صدفة أو بصدور قرار أو قانون، بل جاءت تلبية للنضالات المستمرة والمتواصلة من أجل الاصلاح وتعزيز الحياة الديمقراطية بكل ما تحمله من معان انسانية وحياتية .
في مارس من كل عام يستذكر الشعب البحريني كل الأحداث المضيئة وبالمقابل تستعد فيه السلطات الأمنية لكيفية التعاطي والتعامل مع تلك الأحداث وما شابهها من طرح مطالب شعبية وجماهيرية متجددة والتي تؤكد دوما ضرورة الاسراع في تحقيقها وتعميق العملية الإصلاحية في البلاد من خلال النضال السلمي عبر قبة البرلمان وخارجه. هذا النضال المؤدي لحلحلة العوائق التي تعترض طريق الاصلاح وتطويره، وبالتالي من أجل خدمة الوطن والمواطن على حد سواء. تلك الحقوق التي أكدتها أوراق المنتدى الفكري السنوي التاسع الذي أقامه المنبر التقدمي في السابع عشر من فبراير الماضي.