شركات التأمين ربحيّة ولا تهمها مصلحة المواطن

0
20

شاهدنا تدهوراً مريعاً، ليس في الخدمات الصحية فقط، بل منظومة الرعاية الاجتماعية كلها التي تعرضت إلى تدهور وتفكك، لن تجدي معه كل الترقيعات، وسيقود ذلك إلى مآسٍ يعاني منها المواطن البحريني.

 إستثناء القطاع العسكري من قانون التأمين الصحي ليس فقط تمييزاً فاضحاً وخرقاً للدستور، وإنما هو توقع مستقبلي بأن هذا النظام سيتردى ولن يخدم المواطنين بالطريقة التي يريدونها، وبالتالي استثنت الحكومة القطاع العسكري منه، فلا يوجد أي مبرر آخر لهذا الإستثناء، فالعاملون في القطاع العسكري مواطنون مثلهم مثل بقية المواطنين.

 في جزء من أطروحتي الأكاديمية أقمتُ مقارنة بين النظام الإنجليزي والنظام الأمريكي في الصحة، وفي تلك الأطروحة كتبت نحن نفخر للبحرين، فبسبب تبعيتها السابقة لبريطانيا أخذنا نفس نظام الرعاية الصحية الشاملة، التي تبدأ قبل ولادة الجنين، وتستمر إلى آخر عمر الإنسان، فما تكاد سنتان تنقضيان على ولادة المولود إلا ويكون قد أخذ تطعيماته، وحتى بلوغ الشاب 18 عاماً من عمره بأخذ كل التطعيمات لكثير من الأمراض.

باالمقبل، فإننا نجد أنه بسبب  النظام  الطبي الأمريكي، فإن نصف أفراد الشعب في أمريكا لا يذهبون للمستشفيات، إما لأنهم لا يستطيعون الوصول للمستشفى، أو لا يستطيعون دفع التكلفة.  في أمريكا نظام متوحش، من يدفع أكثر يتمتع بخدمات أعلى، ما يعني أن هذا النظام متقدم جداً لمن يدفع، ومن لا يدفع لا يستطيع أن يأخذ، فعلى المريض دفع كلفة كل شيء، حتى سعر القطن والإبرة.

 الأمريكان يعيشون في بؤس، وآخر توقعاتهم أن يذهبوا إلى المستشفيات، واخترعوا نظامين: نظام يغطي العاطلين ونظام يغطي كبار السن، لأن هؤلاء تضرروا تضرراً شديداً، لكن هذين النظامين لم يحلا المشكلة، فمثلاً يعطون كل طبيب  100 مريض، وتغطي الدولة الكلفة بمبلغ معين يستلمها الطبيب، فطالما هو مطمئن إلى أن المبلغ مدفوع له في كل الأحوال، فإنه لا يكترث بعلاج مرضاه، أو لا يقدّم لهم العلاج المناسب، أو يقدّم علاجات لا يريدونها ولا يحتاجونها، فقد لا يحتاجون لأشعة أو الإقامة في المستشفيات مثلاً، لكن الطبيب يفرضها على أساس أن الفاتورة ستدفع من الدولة في النهاية، وأثبت هذان النظامان فشلهما بدليل أن كل شخص يرشح لرئاسة أمريكا يضع تطوير هذين النظامين في برنامجه الانتخابي، ولكنه لا يفعل شيئاً عندما يصبح رئيساً.

شركات التأمين سواء في أمريكا أو في البحرين أو في أي مكان هي شركات ربحية، لا تفكر أصلا في صحة المواطن أو المريض، ما يهمها هو الربحية أولاً. في البحرين مثلاً تقدّم شركات التأمين باقات، وإذا لاحظت أن المؤمن عليه تجاوز سناً معينة، أو أصيب بأمراض مزمنة توقف عنه التأمين.

ولم يدخل البنك الدولي في أي بلد إلا ودمره، ففي الأخذ بنصائحه مغامرة. نحن كمواطنين بحرينيين لم يزد عددنا، الذي زاد هو عدد الأجانب العاملين والمقيمين في البحرين. لقد كان عددنا كبحرينيين  650 ألف وصرنا 750 ألف، 850 ألف، 950 ألف ليس أكثر، فلماذا يحمّل المواطن البحريني دفع ثمن سياسات خاطئة، في استسلام رهيب للبنك الدولي، مع أن التجارب، بل والوقائع الحقيقية التي تنشر في الخارج معروفة، تقييم البنك الدولي والشركات الاستشارية معروفة وهي تستفيد من الفساد.

لذلك يجب أن تكون هناك مراجعة لهذه السياسات، خصوصاً أن الناس الآن تعاني من البطالة وارتفاع الضرائب، بل أن كثيراً من الأمراض ناجمة عن هذه الإحباطات، وأنا أعلم  أنّ البرلمان مضيق عليه تماماً لهذا السبب، لكي لا تكون لديه حرية مواجهة كل هذا الكم الهائل من التجاوزات للدستور وللميثاق ولحقوق الإنسان.