القصة القصيرة والحكاية

0
19

لن أدخل في تفاصيل ثيمات الحكاية الشعبية وعلاماتها وعلاقات العلامة الدالة بالبطل أو بالشخص المساعد وغيرها كما طرحها بروب، فهي مطروحة ويمكن الوصول إليها بسهولة. ولكني أميل إلى الرأي الذي يشير إلى أن القصة القصيرة والحكاية على ما يبدوان مسارين مختلفين من مسارات السرد، ولعلنا نجد من يشير إلى أن في كل قصة قصيرة تكمن حكاية ما وربما كانت هناك علاقة بينهما على اعتبار أنهما من فنون السرد.
وبذا تبدو النقاط المشتركة فيهما، فنجد أن هناك حدث مركزي في كل منهما، ولكن الحكاية وخصوصا منها الشعبية معدة فنياً في الأصل من أجل أن تحكى شفاهة من راو على مسامع مستمعيه ولها خاصية أنها تظل في الذاكرة الجمعية بين الأجيال.

وفي بعض الحكايات الشعبية نجد أنها عادة ما تبدأ بكنكنة مردها إلى صيغة شبه جاهزة (كان يا ما كان في قديم الزمان) أو ما شابهها، فمفتتح الحكاية يحيل إلى زمن ماض تسرد فيه الأحداث ضمن حبكة بسيطة نسبيا، وعادة ما تكون فيها نسبة الأفعال الماضية كبيرة، كما تكون العبارات مفتتحة بكان. وقد تستخدم في خلق أحداثها الحيوانات وفي بعض الأحيان تخلط بالإنسان والكائنات العجائبية (الجن و العفاريت والمردة.. الخ)، وبها سمات من إيحائية بتشارك الأشياء والحيوانات لصفات إنسانية تميل إلى النقاء، فالشرير دائما شرير في معظم الأوقات والعكس صحيح بالنسبة للخير.

بينما القصة القصيرة تعتمد على تقنية استخدام الحدث المحايث، بمعنى أن معظم أحداث القصة القصيرة تحدث الآن، وهي بهذه التقنية تحاول مطابقة الواقع الذي يفر منها من خلال تحايث ملايين الأحداث التي يمكن تخيلها تحدث في ذات اللحظة عبر المجتمعات الإنسانية، وللتغلب على هذه المشكلة تلجأ القصة القصيرة إلى تقنية التلاعب بالزمن عبر جعله محايثا سواء كان الحدث يحدث في الماضي أو الحاضر أو سيحدث في المستقبل.

ولكن أحداثها تمثل بالضبط ذلك الشعور عند الإنسان رغم إدراكه للصيرورة بأنه أبدا محبوس في الحاضر، فالماضي قد سقط ولا إمكانية لإعادته إلا من خلال ترميم الذاكرة الإنسانية، وكذلك المستقبل لم يوجد ولكننا يمكن أن نتصوره ونتخيله ونحرك أحداثه في الخيال، بينما نسرد أحداث الحاضر.

فالقصة  القصيرة باستخدامها تقنيات الزمن تستطيع ليس استعادته بل تستطيع أن تلوي الزمن وتجدله لتحاكي تحايثات الاحداث التي تجري مع بعض في ذات الوقت، ومن حيث حبكتها الداخلية فهي تجري الآن بشكل موح سواء في ذهن القارئ أو المستمع، ومن تلك التقنيات هو النكوص في الذاكرة الفردية إلى ماض ما في القصة القصيرة ولكن ذلك الماضي يحدث الآن، أو إطلاق العنان للخيال بتصور عن المستقبل ولكنه أيضا يصاغ ضمن اطر لغوية مضارعة.