على الرغم من أن مشروع الميزانية العامة للدولة المطروح حاليا على طاولة البحث بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، والذي لا يجب أن ينظر اليه لوحده باعتباره مفتاح الحل السحري لكثير من قضايانا، خاصة تلك التي تحتاج لحلول ومعالجات مالية، علاوة على أن الميزانية العامة ذاتها لا يجب أن تقرأ بلغة الأرقام المجردة أبداً، فالميزانية كمشروع هي مجرد اعتمادات لمشاريع وتوجهات تنموية تعتزم الدولة تنفيذها خلال فترة زمنية محددة.
مشروع الميزانية كما نرى يجب أن يرسم وبوضوح لرؤية وخطط وبرامج الدولة لتفعيل عجلة التنمية الشاملة خلال فترة زمنية معلومة، بحيث توضع السياسات والبرامج والتوجهات والمشاريع وخطط الاستثمار بشكل دقيق ومدروس، لتقدّم بذلك بياناً واضحاً للداخل ممثلاً في مختلف الشرائح من عمال وموظفين ورجال أعمال ومستثمرين وشركات وغيرهم، وللخارج ممثلاً في المستثمرين والدائنين والشركاء الإقليميين والدوليين وغيرهم، بحيث تفصح الدولة عن رؤاها التنموية ومشاريعها وتوجهات برامجها الاجتماعية والاقتصادية.
لذلك لا يستغرب ابدا كل هذا الاهتمام الذي يستحوذ على الشارع البحريني خلال الفترة الحالية، ترقباً لما ستفرزه مداولات النواب والحكومة من توافقات وصولا لإقرار الميزانية بشكلها النهائي، فالبسطاء من الناس والعمال والموظفين والمتقاعدين بالدرجة الاساس، ينتظرون بفارغ الصبر نصيبهم من تلك المداولات، سواء بالنسبة لتحسين جملة من الأوضاع المعيشية للعاملين في القطاعين العام والخاص، وكذلك تحسين أوضاع شرائح المتقاعدين، وزيادة فرص العمل أمام الشباب والعاطلين، أو حتى بالنسبة لزيادة توزيعات المشاريع الإسكانية، وكذلك هو الحال بالنسبة لتعزيز مشاريع الضمان الاجتماعي وعدالة توزيع الدعم.
كما يهتم الشارع بكيفية وامكانيات الدولة خلال العامين القادمين، وهي عمر الميزانية، في معالجة تضخم المديونية العامة للدولة بعد أن بلغ الدين العام اكثر من 100% من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يهتم رجال الأعمال والشارع التجاري بالدرجة الأساس بحجم ميزانية المشاريع وخطط الدولة الاستثمارية والمشاريع والشراكات وبرامج الدعم المالي القادمة، لأنهم ببساطة يرون فيها مؤشرات واضحة حول خطط وبرامج الدولة التنموية ونصيبهم من كل ذلك!، وهنا بالتحديد تكمن أهمية وضرورة التأني في دراسة مشروع الميزانية العامة بعيداً عن الابتسار والتسرع غير المحمود، وحسنا قدّمت الحكومة مشروع الميزانية هذه المرة بالطريقة الاعتيادية وليس بطريق الاستعجال!
إذا، نحن جميعا ومعنا الحكومة أمام تحديات معيشية واقتصادية وتنموية كبيرة، وعلينا مسؤليات لا يمكن التقليل أبداً من جسامتها، إلا أننا بلا شك نحتاج إلى قرارات وتوجهات حصيفة ومدروسة وتوافقات تفضي في نهاية المطاف لخلق حالة من الفهم الموضوعي لمقتضيات المرحلة وسبل الدولة والبرلمان في مواجهتها والتعاطي معها، بحيث لا تهمل أبدًا مسألة تحسين الوضع المعيشي للمواطنين، والحاجة للسكن والوظيفة وتعزيز توجهات البحرنة بصورة فاعلة، آخذين في الاعتبار توافقات الحكومة مع مجلس النواب حول برنامج عمل الحكومة والذي فرض النواب من خلاله تحسين الأوضاع المعيشية للمواطنين كأولوية لا يمكن اهمالها أو تجاوزها تحت اي ظرف.