تنويه لا بد منه:
لم تُكتب هذه المقالة السريعة، بدافع التشهير بالاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، لا سمح الله، هذا الصرح العمالي الذي يحتل مكانة خاصة في قلوب عمال البحرين الكادحين والمناضلين على مدى عقود من الزمن، إنما كُتبت لتكون دعوة علنية من مُحب حريص على تصويب البوصلة في الاتجاه الصحيح مرة أخرى.
عند الحديث عن الواقع النقابي العمالي في البحرين فلا بد وأن نفردَ مساحة غير قليلة للحديث عن واقع الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، هذا الصرح الذي تَوج نضال عمال البحرين على مدى ثمانية عقود، اي منذ احتجاجات الغواصين في عام 1919 واكتشاف وانتاج النفط في عام 1932، مرورا بقيام هيئة الاتحاد الوطني في عام 1954، ثم الاضرابات في الستينات والسبعينات، وصولا الى صدور قانون النقابات العمالية رقم (33) في عام 2002، الذي تَوج مسيرة هذا النضال ومَثلَ منعطفاً هاماً في مسيرة الحركة النقابية البحرينية.
واجه الاتحاد العام عدة تحديات منذ تأسيسه في عام 2004، وكان أكبرها اثناء حراك فبراير في 2011 والاضراب العام وما تلاه من فصل لآلاف العمال البحرينيين. واجه الاتحاد العام هذا التحدي وخاض معركة على المستوى الدولي وفي اروقة منظمة العمل الدولية، تمخضت عن توقيع الاتفاق الثلاثي في اواخر فبراير 2012 وإلزام الحكومة بإعادة غالبية العمال المفصولين إلى أعمالهم في القطاعين العام والخاص.
هذا الاتحاد الذي أسِسَ على أن يكون حراً، ديمقراطياً، مستقلاً وموحداً، هذه المبادئ التي تأسس عليها اضحت اليوم في خطر حقيقي ان لم تكن قد خُدشت فعلاً!
شكّلت الفترة المصاحبة لحراك 14 فبراير 2011 أكبر تحد للإتحاد العام كما اسلفنا، لكنه استطاع، وبفضل الوحدة العمالية النقابية آنذاك، وبفضل حكمة القيادات والكوادر النقابية التي كانت تشكل الأمانة العامة، استطاع الصمود والذود عن حقوق العمال والموظفين المنتسبين اليه، بل وجميع العمال والموظفين في البحرين من خلال توقيع الاتفاق الثلاثي كما اسلفنا. حتى بعد تغيير قانون النقابات العمالية واقرار التعددية النقابية في 2012، احتفظ الاتحاد العامة بمكانته على المستوى الدولي كاتحاد أصيل، وذلك نظراً لما كان يتمتع به من استقلالية ومصداقية.
غير أن المحطة اللاحقة التي شكلت، ومازالت، تحد لمسيرة هذا الاتحاد العتيد، بل وباتت تهدد مستقبله، هي محطة المؤتمر العام الخامس يومي 4 و 5 مارس 2020، اذ ولأول مرة في تاريخ مؤتمراته، توزع المندوبون الذين يتم ترشيحهم من قبل النقابات القاعدية للإتحاد من أعضاء مجالس الادارة فيها، على قائمتين انتخابيتين بشكل معلن، بالإضافة لعدد من المستقلين. في واقع الأمر، لم يكن ذلك الاصطفاف وليد اللحظة بل نتيجة لتداعيات سبقت انعقاد المؤتمر بفترة ليست بالوجيزة، تداعيات على مستوى الأمانة العامة في الدورة الرابعة انعكست على علاقة الاتحاد بنقاباته القاعدية، فضلا عن علاقة الأمانة العامة بالمجلس المركزي نفسه.
أسفرت نتائج الانتخابات عن فوز غالبية أعضاء ما سمي بـقائمة “الكفاءات” على حساب القائمة الأخرى “التغيير”، ومذ ذلك الوقت والاتحاد العام يعيش ارتدادات ذلك الحدث، من انقسام وأزمة داخلية، انعكست على اداءه الباهت طيلة الثلاث سنوات الفائته، باالاضافة إلى تجميد ما يقارب نصف النقابات لعلاقتها اليومية بالاتحاد العام.
كان يفترض في الأمانة العامة وضع معالجة ارهاصات المؤتمر العام الخامس والوضع الخطير الذى بات يعصف بالوحدة العمالية النقابية على سلم أولوياتها، الا أن ذلك لم يحدث للأسف! أقولها للتاريخ، إنني شخصيا وبصفتي عضو في الأمانة العامة قبل أن اتقدم باستقالتي، قد طالبت تكرارا بتشكيل لجنة داخلية للحوار مع مجالس ادارات النقابات “المبتعدة”، خصوصا بعد أن تقدّمت تلك النقابات بمبادرة للحوار مع الأمانة العامة بدون شروط مسبقة، لكن ولشديد الاسف تم رفض طلبي المتكرر ولم يقف إلى جانبي سوى واحد أو اثنان من بقية الأعضاء الأربعة عشر الآخرين! كان هذا السبب ضمن مجموعة من الأسباب التي دعتني للإستقالة من الأمانة العامة للإتحاد في أغسطس 2022.
باتت تلك النقابات مكشوفة وبدون حماية نقابية ما حدا ببعض إدارات الشركات التي كانت تراقب الوضع عن كثب إلى انتهاز الفرصة، وراحت تستهدف النقابيين فيها لحد القيام بسابقة وهي رفع شكاوي عليهم في مراكز الشرطة بسبب دفاعهم المشروع عن العمال ومكتسباتهم، في الوقت الذي لزم فيه الاتحاد العام الصمت وكأنه غير معني بالأمر، وبذلك يكون قد سجل وصمة في تاريخه المشرف!!
لسنا بصدد الاسترسال في تقييم أداء الاتحاد العام لنقابات عمال البحرين، في هذه الدورة تحديدا، فالانجازات الحقيقية متواضعة جدا ان لم تكن معدومة! ما يهمنا حقاً هو مستقبل هذا الاتحاد الذي بات مثيراً جدا للقلق، لدرجة تشي بقرب تفككه وافوله ونحن على أعتاب المؤتمر العام السادس الذي لا تفصلنا عنه سوى أشهر معدودة. لا يجوز الذهاب إلى المؤتمر العام القادم للاتحاد في ظل هذا الانقسام والواقع المزري. حان الوقت للمجلس المركزي، الذي يمثل أعلى سلطة بين مؤتمرين ويمارس دور الرقابة على الأمانة العامة، أن يخرج من جلباب الأمانة العامة وأن يضطلع بمسؤوليته التاريخية في الحفاظ على هذا الاتحاد شامخا موحدا وترميم الوحدة العمالية، فمازال هناك متسع من الوقت للقيام بهذه الخطوة المشرفة.
وأول ما ينبغي على المجلس المركزي القيام به، ومعه الأمانة العامة، هو الانفتاح على النقابات المهمشة واتخاذ اجراءات فورية من شأنها استعادة الثقة المفقودة بين الطرفين، ما يتطلب توقف الأمانة العامة عن التدخل في الشؤون الداخلية للنقابات وحل المجلس المركزي لنفسه والدعوة لإنتخابات جديدة للمجلس المركزي تشارك فيها جميع النقابات، وفتح المجال للنقابات الأخرى التي تقدمت سابقا بطلب عضوية في الاتحاد العام وتم رفض طلبها لأسباب مبهمة!
ثم الخطوة التالية هي العمل على تفادي تكرار تجربة المؤتمر العام الخامس وخيباته، وذلك من خلال قيام المجلس المركزي الجديد بتعديل اللائحة الداخلية للمؤتمر العام بما يسمح بالتمثيل النسبي، أي أن تكون حصة تمثيل كل قائمة، بما في ذلك المستقلين، في الأمانة العامة القادمة بما يتناسب مع نسبة ما تحصلت عليه كل قائمة انتخابية من أصوات المندوبين، وبذلك نضمن الغاء الاحتكار او استبعاد أي طرف بسبب فارق ضئيل في الأصوات كما هو الحال وفق النظام الحالي للمؤتمر.
من شأن القيام بهذه الخطوة قبل فوات الأوان تعبيد الطريق لنجاح المؤتمر العام القادم للإتحاد العام في مارس 2024، وإعادة اللحمة والوحدة العمالية والسمعة والمكانة والقوة التي كان يتمتع بها الاتحاد العام، بما يمكنه من تمثيل والدفاع عن الطبقة العاملة بالشكل الفعال، والاحتفال بالأول من مايو في 2024 في أجواء من الفرح والفخر معاً.