المجتمع المدني في البحرين .. القيود والمهام

0
119

تُعرَّف منظمات المجتمع المدني بالمنظمات التطوعية  المدنية غير الحكومية وهي التي ينشط فيها الأعضاء بدون مقابل مادي، تُأَسَّس وفق تخصصاتهم المهنية والعلمية والتعاونية، ويلتقون على أهداف محددة وبرامج لتنظيم نشاطهم وعملهم.

المفكر الإيطالي غرامشي عرَّفَ المجتمع المدني بوصفه يضمُّ جميع العلاقات الاجتماعية والمنظمات التي لا تشارك في الإنتاج الاقتصادي ولا في اشغال الدولة، بمعنى منظمات مستقلة عن الدولة، وفي تعريفه للمجتمع المدني يضيف غرامشي: «المجتمع المدني يتوسط بين البنية الاقتصادية والدولة بتشريعاتها وبسلطتها في الإكراه».

هل نستطيع القول بأن المجمتع المدني المنظَّم في البحرين بدأ في بدايات عشرينيات القرن الماضي، عندما تأسَّس عام  1913 نادي اقبال أوال في المنامة، والنادي الأدبي عام 1920 في المحرق، حيث ترافق ذلك مع بدء التعليم الرسمي بتأسيس مدرسة الهداية الخليفية للبنين في عام 1919، وخديجة الكبرى للبنات في المحرق عام 1928، واكتشاف البترول في عام 1928، وفي عام 1932 بدأ إنتاج النفط من حقل جبل الدخان، بداية تشكيل الطبقة العاملة في البلاد، وتبلور الوعي العمالي وبروز مفهوم الصراع الطبقي، ففي عام 1938 بدأ أول إضراب عمالي مطالباً بتشكيل النقايات العمالية في البلاد، وفي خمسينيات القرن الماضي تمَّ تأسيس العديد من الصحف الوطنية وبرزت إبَّان وجود هيئة الاتحاد الوطني في عام 1954/ 1956، كما تأسَّست أول جمعية نسائية في البحرين والخليج العربي، جمعية نهضة فتاة البحرين في عام 1955، وبعد ضرب هيئة الاتحاد الوطني من قبل  المستعمر البريطاني والرجعية، برزت التنظيمات السياسية السرية ، جبهة التحرير الوطني البحرانية التي تأسَّست في 15 فبراير من عام 1955، ولاحقاً في عام 1958 فرع حركة القوميين العرب، وحزب البعث في البحرين، كما تأسَّست الأندية الرياضة والثقافية في تلك الفترة وقبلها بسنوات بعض الأندية.

كانت هذه إرهاصات لتشكيل الوعي الوطني وتبلور أهمية تأطير  العمل التطوعي المنظَّم لدى الشباب،  ففي السنوات اللاحقة سوف تبرز المنظمات النسائية والطلابية  والشبيبة واللجان النقابية والعمالية، وأسرة الأدباء والكتَّاب، والمسارح الوطنية والفرق الفنية الشبابية، كان ذلك في نهاية ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، وهي كلّها روافدُ أساسيةٌ للمؤسسات وهيئات المجتمع المدني.

في 25 فبراير من عام 1972 تأسَّس الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في الخارج، هذا التنظيم الطلابي الوطني الذي يعد واحداً من أهم منظمات المجتمع المدني في تلك الفترة من تاريخ البحرين الحديث واستمرَّ لسنوات طويلة حتى نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، حيث لعب دوراً كبيراً في نشر الوعي الوطني والنقابي في صفوف الطلبة البحرينيين الدارسين في الخارج، ونتوقف عند هذه المحطة التاريخية لأنه أصبح لأعضائه بعد تخرجهم من جامعات البلدان العربية والأجنبية وعودتهم إلى الوطن دورٌ بارزٌ في تأسيس العديد من منظمات المجتمع المدني وفي تخصصات عدة، كما نشطت منظمات المجتمع المدني إبَّان فترة المجلس الوطني في أعوام 1973/ 1975، وتأسَّست النقابات العمالية وغيرها.

والمؤسف اليوم تُضَعُ العراقيلُ، وتُقيَّدُ أنشطةُ جمعياتِ ومنظماتِ المجتمع المدني بسبب حزمةٍ من القوانين والقرارات المعيقة لحرية العمل التطوعي، والتي تحرم العديد من  النشطاء من العمل خلال المشاركة في المجالس الإدارية . بشكل واضح  قلَّ وهج منظمات المجتمع المدني ودورها الوطني والتطوعي في البلاد، وبسبب تلك الصعوبات والتحديات  التي تواجهها منظمات المجتمع المدني، كقلة الإمكانيات المالية لأكثرية الجمعيات التطوعية، وعزوف الأعضاء عن المشاركة في أنشطتها وفعالياتها، لهذا توقف نشاط العديد منها، واختار بعضها تمَّ تجميد نشاطها، وأخرى تمَّ حلُّها أو حلَّت نفسها، فالقوانين والتشريعات المعيقة لحرية العمل التطوعي والمدني والنقابي، وحرمان أعضاء الجمعيات السياسية من المشاركة في مجالس إدارات الأندية الرياضية والثقافية والجمعيات الخيرية، لا تشجع الشباب على الانخراط فيها.

واقع مرير يُشكِّل خسارة كبيرة لروافد النشاط التطوعي والمدني الذي يساهم في تطوّر ورقي البلاد.
والدولة لا تعطي أي اهتمام لما يحدث لمنظمات المجتمع المدني، لأنها لا تريد نشاطاً فعَّالاً لها، وأن يصبح دورها في المجتمع هامشياً وشكلياً غير مؤثر، لهذا تضع العراقيل والمتاريس أمامها، ما يلقي على عاتق المخضرمين والشباب من النشطاء في منظمات المجتمع المدني أمهمة وضع أهداف وأفكار ورؤًى جديدة للنهوض بها من جديد.