التعددية القطبية ليست ثورة بروليتارية

0
34

بات من الشائع أن نقول بأن نظاما عالميا متعدد الأقطاب ٱخذ في الظهور، نظاما سيحل محل القائم الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة، والذي يسيطر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ولم يواجه أية تحديات جادة منذر سقوط الإتحاد السوفييتي. تشير هذه الفرضية إلى انه مع أزدياد قوة دول بريكس، ومع ازدياد الأزمة الرأسمالية التي تمثل الولايات المتحدة رأس هرمها، فإن قدرة الطبقة الحاكمة الأمريكية على إملاء الشؤون العالمية ستكون مقيدة أكثر بكثير مما كانت عليه قبل عقود.

للكاتب والأكاديمي الأمريكي غريغ شوباك مقال يذكر فيه أن الأدلة على وجود عالم متعدد الأقطاب بشكل متزايد مبادرة الحزم والطريق الصينية كمثال، وهي مشروع طموح بشكل مذهل للمصالح المتبادلة يشمل معظم العالم . تستلزم التعددية القطبية أيضا من دول بريكس إنشاء بدائل متعددة الأطراف، واستخدامها للتعاون مع بعضها البعض. على سبيل المثال، عززت الصين وروسيا علاقتهما على المستوى الثنائي من خلال منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تشمل الهند أيضا في عضويتها وتعد المؤسسة الواعدة في عالم متعدد الأقطاب.

الوجه الٱخر هو التناقضات التي تواجه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة. يشير الخبير الاقتصادي مايكل هدسون إلى أنه في الوقت الذي تواجه فيه أوروبا أزمة طاقة في أعقاب العقوبات على روسيا ، فإن “انخفاض اليورو سيقلل من الاستثمارات الأمريكية في أوروبا وقيمة الدولار لأية أرباح قد تستمر هذه الاستثمارات في تحقيقها مع انكماش الاقتصاد الأوروبي. لذلك ستنخفض الأرباح المعلنة للشركات متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة”.

إذا قررت الدول الأوروبية الابتعاد عن الولايات المتحدة والبحث عن شركاء في مكان ٱخر “منظمة شنغهاي للتعاون كمثال”، فإن ذلك سيسرع من الميل نحو التعددية القطبية. إذا أصبح النظام الدولي متعدد الأقطاب، فسيتم تشكيل طابع هذا النظام بشكل عميق من خلال استقطابات القوة المستمرة داخل بلدان بريكس في السنوات القادمة ومواقفها متعددة الأوجه على المسرح العالمي. على سبيل المثال، للبرازيل بقيادة لولا ٱثار دولية مختلفة عن البرازيل بقيادة بولسونارو. في الوقت نفسه تتمتع الهند  بنظام تعددي، لكن ميزان القوى الاجتماعية في البلاد في حالة تغيّر مستمر كما أثبتت احتجاجات المزارعين الضخمة في العام الماضي،  ناهيك عن نضالات القوى اليسارية.

طالما بقيت السياسات الداخلية لدول البريكس غير محددة، فإن ما تعنيه التعددية في الممارسة يبقى محل خلاف. بالرغم من ذلك، انه سيكون من الخطأ المبالغة في تقدير المدى الذي يكون فيه العالم متعدد الأقطاب أو في اليقين مما يعنيه وصول هذه اللحظة. لا يزال الدولار الأمريكي هو العملة الاحتياطية المهيمنة على العالم. وتجدر الإشارة إلى أن الطبقة الحاكمة الأمريكية لا تتخلى عن السيطرة سلمياً: لنشاهد على سبيل المثال: الخنق القاسي للسكان المدنيين الأفغان الذي فرضته الولايات المتحدة من خلال العقوبات بعد طرد قواتها العسكرية من البلاد. يحدث الشيء نفسه للشعوب التي تعيش في الدول – التي على الرغم من الصراعات الداخلية فيها ووجود نخب تابعة الأمريكيين – تستمر في الصمود ضد إملاءات الولايات المتحدة. إن أردنا إعطاء قائمة جزئية فقط ، يواجه الكوبيون والسوريون والفنزوليون والايرانيون عقوبات قاتلة، وأشكالا أخرى من العدوان الإمبريالي. في حين أن مدى وطبيعة التعددية القطبية يظل غير مؤكد، إلا أن المؤكد هو أن النظام القديم لن يسقط دون أن يريق حكامه الكثير من الدماء في محاولة للتشبث بالسلطة.

بإختصار، التعددية القطبية ليست ثورة بروليتارية، لكن سيكون من الاختزالي أيضا افتراض أن مثل هذا التحول العالمي  يعني بالضرورة إستبدال إمبريالية بأخرى. نشرت الموجات المتتالية من تطور المنافسين – بركس والاقتصادات الناشئة الأخرى – قوة إنتاجية على نطاق واسع مما كان في أي زمن، وبحلول القرن الحادي والعشرين باتت هيمنة القطب الواحد مستحلية بسبب هذا الاتساع في القوة الإنتاجية. لكن لم تنته الإمبريالية بعد: فكلما زادت الدول قوة إنتاجية، ستحاول نخب العالم أحادي القطب أن تخلق المزيد من التنافس الذي يصب في صالحها. سيحاولون أن يجعلوا المتنافسين أكثر عددا ولكن أقل قوة. لكن من خلال نشر القوة الإنتاجية على نطاق واسع بين الأقطاب الأكثر عددا والاقل قوة، سيكون لدى الكثير من الناس في جميع أنحاء العالم – لاسيما في دول الجنوب العالمي – القدرة على التطور بشكل مستقل عن الامتيازات الأمريكية وتأثيرها. إن أردنا الحديث بشكل مباشر، فمن الشروط الضرورية لتحقيق الاشتراكية: تفكيك النظام العالمي الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة.

 لطالما سعت واشنطن لسحق كل منظمة أشتراكية وصلت إلى السلطة أو اقتربت منها. وعندما لم تتمكن هذه من تحقيق نجاحات كاملة، عمدت إلى خلق أضرار جسيمة، وقيدت الخيارات المتاحة للحركة الاشتراكية الصاعدة. من غير المرجح أن يؤدي إستبدال النظام الذي تقوده الولايات المتحدة بنظام يركز على القوى الرأسمالية الٱخرى، إلى تعزيز الاشتراكية على نطاق عالمي. ومع ذلك، سيكون تعدد الأقطاب تطورا مرحبا به بقدر ما يمكٓن العمال في جميع أنحاء العالم من الحصول على مساحة أكبر لانتزاع المكاسب التي ترفع من مستويات معيشتهم وسلطتهم السياسية.

 يعتمد ترسيخ مثل هذا الظرف على انتصارات الطبقة العاملة داخل وخارج لا يزال يمثل مركز الرأسمالية. تعطي مثل هذه التطورات للعمال فرصة بناء مجتمعات أكثر عدلا ضمن سياق نظام دولي أكثر عدلا. يجب أن ينُظر إلى التعددية القطبية على أنها فرصة محتملة يعتمد تحقيقها على تنظيم العمال من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي