المناضل الذي لا يجلس على مقاعد الغياب

0
17

من أي الأبواب يمكن أن نلج إلى واحة رمز استثنائي من رموز البحرين الوطنية .. رحل أخيراً وترك الألم العميق في نفوسنا، كما ترك ذكرى عطرة فى مخيلتنا، إنه العزيز على قلوبنا المناضل احمد الشملان .. الكبير في القيمة والعطاء والأثر والمعنى والرمز، واسهاماته في تعزيز مداميك العمل الوطنى بالأفعال ودون مزايدات .. هو باختصار نوعية من الناس ممن قال عنهم محمود درويش: “لا يجلسون على مقاعد الغياب مهما كان الغياب صاعقاً”.

 هل من باب سيرته المفتوحة على المدى الرحب، ومحطاته النضالية التى ارتبطت بحركة الجماهير والكادحين، أم بوابة الأفكار والقناعات والمواقف التى كانت فى داخله، أم بوابة الالتزام بقضايا وطنه ومواقفه الخارقة، ووفاءه لقناعاته، ومبادئه وعلاقاته، وابتعاده عن التقلبات والزلات، أم من باب روحه النضالية الجسورة وصلابته الخارقة وسنوات سجنه المتكرر والمتتالي، وكيف انها لم تنل او تهبط من إرادته وعزيمته، أم من باب صفته كمحامٍ وككاتب وأديب جمع بين شجاعة الموقف وشجاعة الكلمة، والكلمة عنده، كما جاء فى مقدمة كتابه “أجراس الأمل” موقف فى المقام الأول، كأنها تنطلق من الموقف، أو كأنها تؤسس للموقف، وكل تلك أبواب تغرى بالولوج والتنقل والاستمتاع والتزود بذخيرة عزّ نظيرها، ومن قرأ كتاب “سيرة مناضل وتاريخ وطن” الذى كتبته زوجته ورفيقة دربه المربية الفاضلة فوزية مطر وما دوّنته فى هذ الكتاب في اكثر من 1000 صفحة من محطات ومواقف يدرك إلى أي مدى كانت حياته ومسيرته ثرية متعددة الأوجه بكل ما فيها من فرادة وتميز وتضحيات ومعاناة.

 نعلم أن الدخول إلى تلك الواحة البديعة، وتناول كل المحطات فيها مغامرة صعبة، كيف لا، وهى واحة غنية بالكثير مما يمكن تناوله والتوقف عنده، لا سيما وأن الرجل كما وصفه عضو الحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين فى الندوة التى نظمتها الحركة والمنبر التقدمى هو “أحد المناضلين العابرين للإقليم، وأنه لا يمكن فصل مسيرة الحركة الوطنية ليس في البحرين فقط، بل في منطقة الخليج عن دور الشملان الحاضر دوماً بآرائه وبمواقفه في الحراك الوطنى بالمنطقة الخليجية والعربية”، وبالفعل الراحل حاضر بروحه النضالية المتقدة وتوهج صدقيته فى التعامل مع القضايا الوطنية حتى حاز محبة أصدقائه ورفاق دربه واحترام خصومه أو من يختلف معه فى آن واحد.



يمكن أن نتمعن كمثال على محبة الناس له في تلك الصور التى لا تمحى من الأذهان والتى شهدناها خلال توديع الفقيد الشملان إلى مثواه الأخير، صورة تلك الجموع الغفيرة من كل الأطياف التى توافدت إلى المقبرة من كل أنحاء البحرين ومن خارجها، حين جاء أشقاء من بلدان خليجية للمشاركة في التشييع والعزاء، وصورة الناس الذين كانوا يعزون بعضهم بعضاً، وحالة الحزن التى بدت على وجوه الجميع، وصورة الكتابات والمقالات التى تدفقت ونشرت عبر أكثر من وسيلة وأكثر من موقع، ومعها كم من من برقيات التعازى التى وردت إلى عائلته والمنبر التقدمى من أحزاب وهيئات وشخصيات وطنية وقومية وتقدمية عربية، كما لا ننسى تلك البيانات التى صدرت من جمعيات سياسية تمثل اتجاهات مختلفة وكلها تنعي الفقيد، وتعدد مآثره الوطنية، كل ذلك بالمجمل صور نموذجية تعكس محبة ومكانة الراحل فى صفوف الجميع وتقديرهم له ولدوره الوطني.

لست بحاجة إلى التذكير بذلك، وبكل ذلك الكم من الكلام الطيب عنه وعن سيرته وشخصيته الجامعة، وعن نضالاته من اجل الديمقراطية وأدواره ومحطاته النضالية، وكل ما يترجم حبه للوطن ووقوفه بعزيمة واصرار فى خندق واحد مع الذين كان نبضهم مع نبض الجماهير، فقد كان واضحاً أن عدداً ليس بقليل من الناس ساهموا فى ذلك بشكل أو بآخر، كما أن هذا العدد من “التقدمي” فى الملف الخاص بفقيدنا الشملان يسلط الأضواء على الكثير من محطات حياته الحافلة بالكثير مما يمكن التوقف عنده والتأمل فيه، وكلها محطات تشكل بامتياز نقاط مضيئة في حركتنا الوطنية، ولأني أعترف بأنى لا أملك القدرة على قول المزيد، رغم لقناعتي بأن هناك الكثير مما يمكن قوله وتسجيله في حق فقيد البحرين، لا أملك القدرة على ذلك ربما تفادياً للكلام المكرر الذى يصب في إيقاع واحد، ولكنى مضطر إلى تكرار القول بأن الفقيد الغالي الشملان شخصية وطنية جامعة، أحبّ الناس وناضل من أجلهم فأحبوه، من أجل “وطن حر وشعب سعيد” سيظل جزءاً حياً من ذاكرة الوطن، ونجماً ساطعاً فى سماء حركتنا الوطنية، لا يغيّبه الرحيل، الموت لا يغّيب العظماء، فالسلام لروحك الطيبة يا طيب الذكر .