لن نجد أبلغ وأدقّ تعبير في وصف حياة الفقيد الغالي أحمد الشملان من العبارة التي اختارتها زوجته ورفيقة دربه الأستاذة فوزية مطر لكتابها الذي وثّقت فيه حياته ومسيرته الكفاحية: “سيرة مناضل وتاريخ وطن”.
المناضلون من أجل حرية وطننا وسعادة شعبنا وحقه في الحياة الحرة الكريمة كثيرون ومن أجيال مختلفة، لكن أحمد الشملان بالذات كان حاضراً في قلب النضال الوطني والطبقي على مدار أكثر من ستة عقود متواصلة، ودون انقطاع، منذ ستينيات القرن الماضي حتى رحيله عنا قبل شهر، في قلب كل التحولات التي عرفها وطننا لا من موقع المراقب، وإنما من موقع المشاركة الفعّالة في نضال الشعب والمجتمع من أجل الأهداف النبيلة التي كرّس حياته من أجلها، ولم يحل مرضه الذي شلّ جزءاً مهماً من طاقته، دون استمرار حضوره في المشهد السياسي. لم يغب أو ينكفأ، بل ظلّ حاضراً بكامل مهابته ومكانته النضالية الرمزية التي هي فخر لكل الأجيال.
سيرة أحمد الشملان هي بالفعل تاريخ الوطن في مرحلة تجاوزت السبعين عاماً، عاشها وهو يناضل ويقارع الظلم وينشد الحرية والديمقراطية، ومن أجل ذلك يقدّم التضحيات، دون أن تهون إرادته أو تضعف، فهو كان في قلب انتفاضة مارس 1965 ضد السيطرة الاستعمارية البريطانية ومن أجل حقوق الشعب، بصفته أحد أبرز قادتها، وكان في قلب نضال الحركتين الوطنية والعمالية في السبعينات من أجل الديمقراطية وحرية العمل النقابي وانتزاع حقوق الطبقة العاملة وكل الكادحين، وإنشاء دولة مستقلة حديثة تؤمن المشاركة السياسية لمواطنيها، وكان حاضراً، في مقدمة الصفوف، في النضال ضد القمع والاستبداد وقيود قانون أمن الدولة في الثمانينات، وكان أحد الوجوه القيادية في التحرك الدستوري في التسعينات من أجل اعادة الحياة البرلمانية، وإلغاء القوانين المقيدة للحريات، واطلاق سراح معتقلي وسجناء الرأي وعودة المنفيين.
وفي كل حقبة من هذه الحقب دفع أبو خالد ضريبة موقفه بكل شجاعة، باعتقاله مرات عديدة ولسنوات طويلة، ناهيك عن السنوات التي قضاها في المنفى، وكان آخر اعتقال له في التسعينات، ورغم تبرئته بعد محاكمته، استمرت اجراءات التضييق البوليسية ضده بعد إطلاق سراحه، ومنع من السفر، ما عرضه لجلطة في القلب أولاً، وأخرى في الدماغ أفقدته القدرة على النطق.
بعد الانفراج السياسي الذي تحقق في مطلع الألفية الجديدة، كثمرة من ثمرات كفاح شعبنا وتضحيات مناضليه، وأبو خالد في مقدمتهم، بقي أحمد الشملان حاضراً من موقعه القيادي في المنبر التقدمي.
إنها فعلاً سيرة مناضل وتاريخ وطن.