قبل السرطان وبعده

0
42

يعود أغلب المصابين والمصابات بالسرطان بعد رحلة العلاج والتعافي المضنية والمريرة إلى السير عكس الإتجاه السابق والمألوف الذي اتبعوه قبل اكتشاف المرض. ينتهجون أسلوبًا معتدلًا ومتوازنًا وهادئًا في كل شيْ، بدءًا بتعاطي الغذاء السليم والصحي، وانتهاءًا بالمحافظة على مزاج نفسي مريح يحرصون على إبقاءه رائقًا بعيدًا عن الغضب والتشنج والعصبية، ويصبح شعارهم: “خذها بسهولة” take it easy ، فلا شيئ يستحق تحميله أكثر من طاقته أو طاقتهم على استيعابه.

يُدرك مرضى السرطان في الآوان، أو ربما بعد فوات الأوان، أن لا شيْ مما فعلوه أو اختزنوه في أنفسهم أو حملوه على أكتافهم من أعباء كان جديرًا بكل هذا القهر النفسي والتوتر والضغط على الأعصاب، وفي السرطان نلحظ أن المصابين به ينقسمون إلى فئتين – وفق اجتهادي الشخصي ومشاهداتي -: فئة تُثمن الحياة وتحرص على ما تبقى منها مستمتعة قدر الإمكان بما تُوفر لها من ظروف مغايرة وغير مألوفة محاولةً أن تجد زوايا ورؤية ومعنى آخر لحياتها الراهنة والمقبلة، وفئة ثانية نجدها ناقمة ومتذمرة داخليًا وخارجيًا، يتبدى ذلك في أقوالها وممارساتها، إذ ترى أن السرطان قد اختارها لسوء حظها، وأنه قد اقطتع جزءًا كبيرًا من نصيبها في السعادة والهناء والمتعة، فتنحو صوب لوم الظروف وطرح التساؤلات حول عناء وجدوى مواصلة الطريق بعدّة ناقصة معروفة النهاية.

 هذه الفئة الأخيرة من النادر أن تجدها في حالة رضا أو قناعة سواء قبل السرطان أو بعده، وفي حين تتكيف الفئة الأولى مع المرض وتعيش عمرًا مديدًا، تسارع الفئة الثانية إلى حفر قبرها بيدها، وترى أغلب الدراسات أن العامل النفسي يلعب دورًا رئيسيًا في مكافحة المرض والتعافي، وإذا نحينا العنصر الوراثي جانبًا في حالة الإصابة بالسرطان، وحيث يؤكد المختصون أن بإمكان المرء الإفلات منه أو تكريسه عبر أسلوب ونمط تفكير مختلف عن المألوف.

في كتابها “أجساد النساء .. حكمة النساء” Women’s Bodies, Women’s Wisdom ، الذي حقق شهرةً عالية، وكان الأكثر مبيعًا على قائمة نيويرك تايمز عند صدوره، تقول الدكتورة الجرّاحة والباحثة كريستيان نورثراب، الصادر عام 1994، تقول: “ليس من الضروري أن نرث أمراض آباءنا وأجدادنا، لكننا إذا آمنا وسلمنا بحتميّة اصابتنا بها فسوف نمهد الطريق للمرض”، “المرض، حسب الكاتبة، هو ما نزرعه نحن في أذهاننا وليس ما يزرعه آباءنا في جيناتنا”،  وتستعرض الكاتبة كيف أن كثيراً من أمراض البشر هي من جنس طبائعهم وخصالهم، وأمزجتهم الذهنية وطريقة تفكيرهم وقناعاتهم وتصف ذلك بالشرح.  إن خلق الإنسجام والتناغم بين الصحة الجسدية والنفسية له قدرة كبيرة على مقاومة الأمراض التي تعتري الجسد”، لكن المفارقة الغريبة هي حين يكون البشر أكثر تقبلًا للموت من تقبل فكرة الإستدارة والإنعطافة الكاملة نحو التغيير والتحول الجذري الشامل، وفي أمثالنا نقول “من شبّ على شيْ شاب عليه”، وربما مات بسببه.