فلسطين في القلب

0
68

وأنا أكتب هذه السطور، ترتكب إسرائيل جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة وعلى نـحو غير مسبوق منذ العام 1948، فقد تمّ تدمير كل شيء: البشر والحجر والشجر وأصبحت غزة أقرب إلى الأطلال بعد أن سوّيت أرضاً أحياء بكاملها وشطبت عشرات العائلات بكامل أفرادها من السجل المدني، وقتل ما يزيد عن خمسة آلاف فلسطيني، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، إضافة إلى الترحيل القسري للسكان فيما يشبه التطهير العرقي بعد خنق قطاع غزة، مانعة عنه الإمدادات بالماء والكهرباء والأغذية والدواء والوقود.

قام الجيش الإسرائيلي بقصف القطاع على نـحو متواصل من الجو، والبر، والبحر وتم إلقاء ما يزيد على أربعة ألآف طن من القنابل في عملية لم يسبق لها مثيل في التاريخ  الحديث، ولكن هذا  العدوان الهمجي المكثف دليل ضعف لا قوّة، ودليل ذلك أن الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبية اخرى تهبّ سريعاً لمساعدة هذا الكيان الغاصب، ما يؤكد الطابع المنافق والساقط أخلاقياً للغرب الذي لا يكتف،  وحتى في هذا الظرف بمساواة الضحية بالجلاد، بل يُمعن في تشويه الحقائق ويكشف عن وجهه القبيح في كيل الاتهامات للمقاوميين الفلسطينين وتشويه صورتهم بتلفيق الأكاذيب.

التطورات الحاصلة في غزة ومحاولة الكيان الإسرائيلي الدخول براً واحتلال غزة مجدداً دليل آخر على قلة الحيلة لهذا الكيان بعد أن عرّت المقاومة الفلسطينيية الجيش الذي لا يُقهر ونجحت في تحطيم هيبة الردع الصهيوني، وفرضت معادلة جديدة في الحروب الذكية باستخدام ما تيسر للمقاومين من أسلحة وعتاد حتى ولو كان لا يعادل شيئاً أمام الأسلحة الإسرائيلية من دبابات وطائرات وصواريخ وغيرها من الأسلحة.

إن يوم السابع من أكتوبر ليس كما قبله من أيام بالنسبة للكيان الصهيوني، وبالخصوص لمواطنيه إذ منذ الآن سيعيشون رعب تلك اللحظة وسيشعرون بعدم الأمان الكلي، وقد يكون ذلك إيذاناً بالهجرة المعاكسة من إسرائيل إلى دولهم الأصلية التي أتوا منها، وقد يحصل هذا في القريب العاجل، حيث أعادت المقاومة الفلسطينية في خلال ست ساعات الهيبة للمقاومين، ونسفت في خلال تلك الساعات قوّة إسرائيل أمام الشعوب العربية، مما انعكس إيجابًا في انتشال الشعوب العربية من حالة اليأس والقنوط، وأصبحت القضية الفلسطينية تتصدر المشهد بعد أن غُيبت وشُوهت من قبل الصهاينة ومن لف لفهم من المتصهينين والمطبعين والمستسلمين للروايات والأكاذيب الأسرائيلية والغربية، وما المظاهرات والوقفات الموآزة للشعب الفلسطيني إلا دليل على ذلك.

 كما كشفت بطولات المقاومة مأزق مشاريع التطبيع مع الكيان الصهيوني، حيث  أصبح المطبعون منبوذين ومحتقرين ولا مكان لهم في ظل هذه التطورات المتسارعة، فبطولات الغزيين والشعب الفلسطيني أخرست كل المتصهينين، وأفشلت مخططاتهم ومساعيهم في تشويه صورة المقاومة باعتبارها إرهابية، وبأن الفلسطيينين لا يستحقون المساعدة والدعم، ووصفهم، ظلماً بـ “الجبناء” و”المتخاذلين” وغيرها من التهم المخزية، وباتت صفقة القرن وما يعرف بالإتفاقيات الإبراهيمية في مهبّ الريح، بعد أن مرغت الهيبة الإسرائيلية في التراب، وحتى قبتهم السماوية لم تفلح في أيقاف الكثير من صواريخ  المقاومة، فالردع الصيوني تحطم في دقائق معدودات امام تلك الصواريخ مما سبب فشلاً ذريعاً لأمن هذا الكيان وجعله اضحوكة أمام الرأي المحلي الإسرائيلي والعربي والدولي مما سيؤثر على معنويات جيشه الذي زعم أنه “لا يُقهر”، مروجاً هذه الأكذوبة  للعالم.

 البوصلة تغيّرت وأصبحت فلسطين في الواجهة بعد أن غيبّها العالم خلال تلك السنين، أما الأبواق الصهيونبة والمتصهينون العرب فقد تواروا عن الأنظار ويعيشون حالة رعب وحيرة جراء هذه الأحداث بعد أن انقلبت المعادلة وأصبحت الشعوب العربية في يقظة عما يحدث أمامها وما تفعله إسرائيل بالشعب الفلسطيني المناضل من قتل وتنكيل وتشريد للنساء والأطفال والعجزة، حيث نجحت المقاومة في إبقاء شعلة النضال ملتهبة ضد الاحتلال حتى تحرير فلسطين من هذا الكيان الغاصب، مما يؤكد تمسك الشعب الفلسطيني بقضيته وتمسك الشعوب العربية بفلسطين كقضية مركزية في قلب كل عربي ومسلم وكل محبي الحرية في العالم.

حققت المقاومة أيضاً نصراً استراتيجياً بإعادة القدس إلى الواجهة حالها كحال بقية الأراضي الفلسطينية الأخرى، فأي اعتداء على القدس والمقدسيين سيلقى منذ اليوم رداً من المقاومة، فالمشهد أصبح الآن واضحاً لدى الكل: فلسطين هي القضية وفي الصدارة وتحتاج إلى تضافر الجهود العربية والدولية إلى حل قضية شعبها، وإسرائيل ما هي إلا كيان دخيل وغاصب ومحتل لهذه الأراضي عليه الرحيل وترك الشعب الفلسطيني ليقرر مصيره بنفسه ويقيم دولته على أرضه وعاصمتها القدس الشريف.

ما يثلج الصدر رغم المآسي والقتل والتدمير الذي يحدثه الكيان الصهيوني في غزة وفلسطين وسوريا ولبنان هو أن الشعوب العربية استيقظت من غفوتها، لتتذكر أن الكيان الصيوني عدوها الأول، وفلسطين هي قبلة العرب والمسلمين، ولا خيار سوى مقاومة هذا الكيان الغاشم وداعميه الأمريكان والأوربيين الذين يوفرون الغطاء لتوحشه وبطشه، متجاهلين مزاعمهم حول حقوق الإنسان، مكتفين بالتباكي على المدنيين الإسرائيليين، أما ما يحدث في غزة والمدن الفلسطينية الأخرى فلا  يعنيهم في شيء، وقد عرّتهم هذه الحرب أمام العالم وبينت ازدواجية المعايير التي يتعاملون بها مع الشعوب الفقيرة والمضطهدة.

 إن المجازر الجماعية التي يقوم بها الصهاينة لن تثني هذا الشعب الجبار عن مواصلة مسيرته في التحرر من هذا الكيان الدموي الغاصب، فالشعوب الحرة وقضاياها العادلة لا تموت، والنصر قادم، وكل ما يفعله الكيان الصهيوني الآن لن يطفئ إرادة الفلسطينيين في تحقيق حريتهم.