الموقف الصيني من الحرب الإسرائيلية على غزّة

0
30

يبدو أن عملية السابع من أكتوبر وما تلاها من عدوانٍ إسرائيلي على غزة ستترك أثرًا عميقًا على النظام الدولي الذي يمرّ بمرحلة مخاض مستمرة منذ عدة سنوات،  إذ جاءت  هذه الحرب لتعمّق من أزمة الولايات المتحدة الإستراتيجية، التي تحاول التعامل مع تداعيات الحرب في أوكرانيا، وما تستنزفه من جهود سياسية وعسكرية تقف عائقًا أمام إعادة تمحور واشنطن، للتركيز على جنوب شرق آسيا واحتواء الصعود الصيني دوليًا. ويعني ذلك، من وجهة نظر الباحث في الشؤون الدولية والعلاقات الصينية بلال سلايمة، أن الحرب أعادت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط من جديد، وهي التي تعمل على تخفيض مستوى انخراطها في المنطقة.

عادت واشنطن للمنطقة ليس سياسيًا فقط، وإنما عسكريًا من خلال حاملتي طائرات والتزام ضمني بالوقوف بجانب إسرائيل في حال توسع الحرب في غزة  إقليميًا. وعودة الانخراط الأمريكي للشرق الأوسط ليس فقط سيوفر لبوتين فرصة  لالتقاط الأنفاس في أوكرانيا ميدانيًا، واستغلال الازدواجية الأمريكية للتحشيد سياسيًا فحسب، بل يعطي مساحة  للصين للاستمرار في تثبيت نفوذها في منطقة جنوب شرق آسيا وتعزيز خطوات صعودها الدولي.

أما الصين من جهتها، والتي تمثل القطب الصاعد في النظام الدولي، فتتقدم بخطى ثابتة نحو الشرق الأوسط. الانخراط الصيني المتصاعد لا يتوقع أن يشكّل على المدى القريب رافعة لموازنة الموقف الأميركي، إذ ما زال التواجد الصيني في المنطقة محدودًا، وهي التي لا توجد لها قوات عسكرية منتشرة، باستثناء مئات العناصر المشاركين ضمن بعثات الأمم المتحدة لحفظ السلام، كما أن بكين غير معنية بمواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ولا تتبع سياسة الندية في تعاملها مع الغرب، على الأقل في المدى المنظور. محدودية الدور الصيني تبدو واضحة في الملف الفلسطيني- الإسرائيلي، والذي لا تمتلك فيه الصين أدوات الضغط على الطرف الإسرائيلي للدفع بأي عملية تفاوض أو وساطة محتملة.

لكن بكين تتميز أيضاً عن الولايات المتحدة بقراءة أكثر توازنًا لوضع الشرق الأوسط، وللقضية الفلسطينية. فالصين ما زالت ترى أن جوهر الأزمة يتمثل في الاحتلال  الإسرائيلي، وأنه لا بديل عن حل يتمثل في دولة فلسطينية ذات سيادة فعلية. كما أن الصين رفضت ومازالت أن تعتبر حركة المقاومة حركة إرهابية، وتعمل على إبقاء علاقات معها، هذا رغم سياسة الصين التقليدية في التعامل مع الحكومات دون الفاعلين من غير الدول. ولعل الميزة الأهم أن الصين تتعامل مع الملف الفلسطيني كملف سياسة خارجية بالدرجة الأولى، على خلاف كل من الولايات المتحدة والدول الأوروبية، التي تحتل فيها القضية الفلسطينية- الإسرائيلية مساحة واسعة في السياسة الداخلية، سواء عبر دور وتواجد اللوبيات الإسرائيلية، أم نتيجة إرث معاداة السامية، وهو ما يجعل الدول الغربية عاجزة عن رسم سياسة متوازنة تجاه قضية الشرق الأوسط.

يترافق هذا الموقف الرسمي الصيني مع موقف شعبي منحاز أكثر للموقف الفلسطيني، فوفق أحد المتخصصين في الرأي العام الصيني فإن الخطاب الشعبي على السوشيال ميديا في الصين يرى أن العرب أقرب للصينيين من إسرائيل والغرب، كما أن الخطاب الشعبي يرى أن الصين لا يمكن أن تدعم إسرائيل المدعومة أصلًا من قبل أميركا غريم الصين.

هذه القراءة المتمايزة عن القراءة الأميركية – الغربية، خاصة في ظل الإنحياز الأمريكي- الأوروبي الأعمى لإسرائيل، هي ما يجعل الأعين تتجه لبكين. في محاولة ٍللبحث عن وسيلة للضغط باتجاه وقف إطلاق النار في غزّة، في خطوة ذات بعد رمزي بالدرجة الأولى. لكن هذه الخطوة تمثل تأكيدًا على رغبة العديد من دول المنطقة فيأن تلعب الصين دورًا أوسع في المنطقة، وهو ما تمت الإشارة إليه من خلال توجه الرياض وطهران والصين لرعاية الاتفاق السعودي- الإيراني الأخير.

التطور في الموقف الصيني جاء من خلال قمة دول البريكس في يوم الحادي والعشرين من نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، في قمة  افتراضية استثنائية حول القضية الفلسطينية الإسرائيلية. ففي أول حديث رسمي للرئيس الصيني حول الحرب في غزّة تحدث عن الحاجة لوقف نار فوري، واصفًا ما يتعرض له قطاع غزّة وسكانه بالعقاب الجماعي. كما أكد الرئيس الصيني تشي أن “السبيل الوحيد لكسر دائرة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي يكمن في حل الدولتين، واستعادة الحقوق الوطنية المشروعة للفلسطينيين، وإقامة دولة فلسطين مستقلة “. كما دعا لعقد مؤتمر دولي لتحقيق سلام شامل وعادل ومستدام في فلسطين. وهو ما يمثل خطوة مهمة على صعيد لعب الصين دورًا دوليًا في القضية الفلسطينية.

التحرك الصيني من خلال مجموعة البريكس، وتأكيد الرئيس الصيني خلال قمتها الافتراضية مع زعماء روسيا وجنوب أفريقيا والبرازيل على “أهمية الحديث بصوت عالٍ من أجل العدالة والسلام فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية الإسرائيلية “، يأتي بالتوازي أيضاً مع حراك صيني مهم في مجلس الأمن.

توازن الموقف الصيني وتمايزه عن موقف الولايات المتحدة هو ما يؤهل بكين الصاعدة لزيادة وزنها على الساحة الدولية للعب دور أكبر في المدى المتوسط أو البعيد في القضية الفلسطينية.  ولا يستبعد أن تلعب الصين لاحقًا الدور ذاته، الذي كان الاتحاد السوفييتي يلعبه إبان الحرب الباردة، في إعادة ضبط الإيقاع الدولي حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.

About the author

Author profile

كاتب بحريني وعضو التقدمي