رغم إقرار قادة الكيان الصهيوني بالخسائر الفادحة التي مُنيت وتُمنى بها قواتهم في العدوان على غزّة، وحديثهم عن “الثمن الباهظ” الذي يتعين دفعه للقضاء على المقاومة هناك، فإن هذه التصريحات تبقى عند حدود العموميات، ولا تقدّم تقاصيل شاملة لحجم تلك الخسائر، مكتفين بذكر بعض الأرقام عن قتلاهم وجرحاهم، وهي أرقام موضع تشكيك كبير لا من قبل المقاومة الفلسطينية وحدها، وإنما من المراقبين المحايدين، الذين يشيرون إلى أن حجم خسائر العدو في غزّة أكبر بكثير من تلك التي يعترف بها قادته، رغم أن حجم ما أبلغ عنه العدو من أرقام ليست قليلة أيضاً، إذ يقر بمقتل نحو خمسمائة جندي، وإصابة نحو 2000 جندي، حالة العشرات منهم خطيرة.
أبلغ الأمثلة على ذلك اضطرار العدو للإعلان عن سحب أهم ألويته المشاركة في العدوان، والمعروف باسم “لواء غولاني”، والذي يطلق عليه “لواء النخبة”، بعد 60 يوماً من قيادته المعارك البرية بغزّة، حيث تقدّم القوات الغازية في عدة محاور، أهمّها حي الشجاعية ومخيم خان يونس، بسبب حجم الخسائر الكبير الذي تعرض له، وتاكيدات المقاومة، أكثر من مرة، كسرها شوكة اللواء الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى ما قبل قيام دولة العدو، فهو أقدم لواء في جيش الاحتلال، وتقلّد عدد من قادته مناصب عليا سواء في قيادة أركان الجيش أو في الحكومة، وتاريخياً تعدّ عصابات “الهاغانا” الصهيونية الدموية هي النواة الأولى لـ”غولاني”.
وحاول العدو التستر على السبب الحقيقي لخطوته هذه بسحب اللواء المذكور بالقول إنه من أجل “التقاط المقاتلين أنفاسهم وزيارة أهاليهم لبضعة أيام”، دون أن ينكر تكبدهم خسائر فادحة، وباعتراف العدو نفسه فإنه في 13 ديسمبر الماضي، وفق ما كشفت عنه وسائل إعلام إسرائيلية، فإن كميناً نصبه مقاتلو “كتائب القسام” لجنود من اللواء في حي الشجاعية، أدى إلى مقتل 10 ضباط، بمن فيهم قائد “غولاني” العقيد إسحق بن بشت، وعدد من قادة سرايا اللواء، فضلاً عن إصابة عدد كبير من الجنود.
حتى الساعة لم ينجح جيش الاحتلال الإسرائيلي في تحقيق مكاسب ميدانية أو أمنية تجعله قريباً من الأهداف التي أعلن عنها عندما شنّ عدوانه على غزّة، بل سبق أن تحدّثت وسائل إعلام صهيونية على أن “كل مرحلة من مراحل الحرب الجارية، يمكن أن تأخذ سنة من المواجهة”، وتقوّض الخسائر التي تلقاها جيش العدو مساعي نتنياهو في اقناع الراي العام الداخلي بقدرته على هزيمة المقاومة.