الحروب بالوكالة

0
79

ظهر مصطلح الحرب بالوكالة حديثًا من خلال استخدام القوى الكبرى أطرافًا محلية في إطار الصراعات الإقليمية أو الدولية، والهدف الأساسي أن تلك الدول الكبرى لا تريد أن تتورط مباشرةً في أي مواجهة عسكرية تكون لها نتائج وتداعيات مباشرة على أمنها القومي أو حتى جرها إلى حرب مباشرة لا ترغب في خوضها.

والحرب بالوكالة هي أن تقوم دولة بإنشاء تنظيم عسكري لا تعترف به ظاهريًا وتمده بالسلاح والمال وتزوده باللوجستيات بالخفاء، وتستخدمه لإثارة القلاقل وشن الحروب في دول أخرى تناصبها العداء، وتتفرج عليه وقد تُدينه أو تنعته بالمجرم والإرهابي وفق المصالح والتقلبات، وتلجأ العديد من الدول، بما فيها الدول الكبرى، إلى هذا النوع من الحروب.

مثال على الحروب بالوكالة ما شهده العالم بعد الحرب العالمية الثانية(1939-1945)، فالحرب الكورية التي تواصلت منذ ١٩٥٠ حتى ١٩٥٣ كانت حربًا بالوكالة بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق، وانتهت تلك الحرب بتقسيم كوريا إلى شطرين كما هو الحال الآن، وهما كوريا الجنوبية ذات النظام الاقتصادي الرأسمالي، وكوريا الشمالية ذات النظام الاشتراكي اليساري. كما أن الحروب والصراعات في إفريقيا بشكل خاص كانت في ظاهرها محلية، ولكن في حقيقة الأمر كانت تُدعم خارجيًا من القوى الاستعمارية السابقة كفرنسا في غرب إفريقيا.

وحديثًا فإن الحرب الروسية الأوكرانية المستعرة هي نموذج صارخ على الحرب بالوكالة، حيث المواجهة غير المباشرة بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من جانب وروسيا الاتحادية من جانب آخر. يهدف الطرف الأول إلى إضعاف روسيا الاتحادية اقتصاديًا بالدرجة الأولى وإدخالها في حرب استنزاف لسنوات في حين أن روسيا الاتحادية تدرك تلك الحقيقة من خلال منع تمدد الناتو على حدودها خاصة مع أوكرانيا.

كما أن إشعال الحروب الإقليمية أو المحلية عادة ما يكون لصالح أطراف خارجية رغم الطبيعة الإيديولوجية والقبلية لتلك الصراعات المحلية، فالحرب في أفغانستان خلال الغزو العسكري السوفيتي السابق كانت حرب استنزاف بالوكالة لعبت فيها الولايات المتحدة الأمريكية والدول العربية والمجاهدون الأفغان دورًا محوريًا حتى انسحاب القوات السوفيتية. وكانت إحدى نتائج تلك الحرب المكلفة اقتصاديًا وعسكريًا تفكك الاتحاد السوفيتي السابق بعد سنتين، وكانت هناك مصالح قد تكون متناقضة بين المصالح الاستراتيجية الأمريكية التي كانت تهدف إلى تفكيك الاتحاد السوفيتي والسيطرة والهيمنة على القرار الدولي، وبين الدول العربية والمجاهدين والأفغان الذين كان هدفهم الأساسي هو تحرير أفغانستان من القبضة الشيوعية السوفيتية.

ولا بد من الإشارة إلى استراتيجية الحرب بالوكالة التي تنتهجها إيران في الأزمة السورية واليمنية، وخاصةً إثر موجة ثورات (الربيع العربي) التي اندلعت في العام 2011 والتطورات الجديدة على الساحة الإقليمية، وما نتج عنها من التغلغل الإيراني في سوريا واليمن باستعمالها القوة الناعمة والصلبة عن طريق توظيفها في الحروب بالوكالة. ولا يزال الصراع مستمرًا بين المعسكر الأمريكي الغربي وحلفائهم وبين المعسكر الروسي الإيراني وأنصارهم على الأراضي السورية واليمنية.

وفي ظل اشتداد الحروب بالوكالة وتنافس الدول الكبرى فيما بينها لتحقيق أهدافها ومصالحها الأنانية والجشعة، تبرز دول صغيرة وكبيرة (عمان والصين على سبيل المثال) تلعب دورًا دبلوماسيًا مميزًا في السعي إلى التهدئة وإيجاد حلول عملية لإيقاف هذه الحروب العبثية التي يدفع ثمنها الدول التي تندلع الحرب على أراضيها فتدفع شعوبها الثمن باهضًا لما تتعرض له من دمار شامل.