صدر كتاب “الجنس كهندسة اجتماعية بين النص والواقع”، في نسخته العربية عن دار الفنك 1987، وقد نقلته للغة العربية الأستاذة أزريول فاطمة الزهراء بعد محاولتين لم تسلكا طريق النشر، إحداهما كانت لمؤسسة “دار الحداثة” اللبنانية، والثانية للسيد عبد اللطيف بالمهدي.
الكتاب في نسخته الإنجليزية الأصلية يحمل عنوان “Beyond the Weil”، وهو عصارة عمل أطروحة تقدّمت بها عالمة الاجتماع الدكتورة فاطمة المرنيسي لنيل دبلومP.H.D في علم الاجتماع العائلي سنة 1973. وقد ترجم الكتاب لعدة لغات هي الألمانية والهولندية والفرنسية والأوردية والعربية.
تناولت الرسالة بالطرح ديناميكية العلاقة بين الجنسين في المجتمع الإسلامي، وحاولت فاطمة المرنيسي حسب خطة البحث زعزعة طريقة فهم القارئ لمعتقداته المسبقة وأنماطه الجاهزة حول ديناميكية الجنسين ودورها، كما ألهمت المتلقي التفكير في أشكال جديدة للعلاقة فيما بينهما.
في الفصل الأول “التصور الإسلامي لحياة جنسية فعالة لدى المرأة” أبانت الكاتبة عن الاختلاف حول الغرائز بين المسيحية والإسلام. فنظرية الإسلام حول الغرائز هي أكثر تطورا ووضوحا، وترى الباحثة أن طريقة استعمال الغرائز وتوظيفها هي التي تفيد أو تضر النظام الاجتماعي الإسلامي، وبالتالي فالفرد غير مجبر عن الاستغناء و نفي غرائزه، بل المطلوب منه التحكم فيها وضبطها وتوجيهها في ما يمكنه المساهمة بطريقة إيجابية في النظام الإسلامي.
ولكي تجيب على السؤال الأساسي عن دور المرأة في الحياة الجنسية أهو فعال أم سلبي؟ ، تناولت الكاتبة خاصية المجتمع الإسلامي المتناقضة بين ما يمكن نعته ب “نظرية علنية” واخرى “ضمنية” عن الحياة الجنسية، وهي نظرية مزدوجة عن ديناميكية الجنسين، تتمثل الأولى حسب المعتقد السائد بالايجابية، وتخصّ حياة الرجل الجنسية، بينما تتسم حياة المرأة بطابع سلبي وتتضح في اللاوعي الإسلامي من خلال مؤلف الإمام الغزالي “إحياء علوم الدين” الذي يرى فيه بأن الحضارة مجهود يهدف إلى احتواء سلطة المرأة الهدّامة والكاسحة، ولذلك يجب ضبط النساء لكي لا ينصرف الرجال عن واجباتهم الاجتماعية والدينية. كما أن بقاء المجتمع، رهين بخلق مؤسسات ترسخ الهيمنة الذكورية عن طريق عدة ميكانيزمات من بينها الفصل بين الجنسين وتعدد الزوجات.
اختارت الباحثة إقامة مقارنة بين رأي كل من “الإمام الغزالي (خراسان 450/ه)” وسيجموند فرويد” (تشيكيا /1856) حول موضوع الفاعلية والسلبية في العلاقة الجنسية. وارتأت أنها مقارنة بين مفهومين مختلفين للحياة الجنسية يرتبطان بثقافتين متباينتين، إحداهما تعتبر النموذج النسوي سلبياً والأخرى تراه فعالاً. واعزت الباحثة تجاوزها الحاجز ذي الصبغة المنهجية الذي اعترضها وهي تقوم بتلك المقارنة، لوعيها بتاريخانية الثقافة، اعتبارا من ان نظرية فرويد نتيجة مشروطة تاريخيا بثقافتها الخاصة، وأعطت مثالا برالف لنتون (فيلادلفيا /1893) الذي يرى أن المعطيات الاثنولوجية تبرز أن الثقافة هي التي تحدد النظرة للفوارق البيولوجية وليس العكس.
وتصل الباحثة إلى استنتاج مثير جعلها تقف على خلاصة القولإأن النظرية الإسلامية والأوروبية تقفان على نفس المستوى البحثي الذي افرزه كل من نموذج دراسة الإمام الغزالي وأبحاث فرويد” لقد أفرخ النظامان الاجتماعيان اللذان ينتمي إليهما كل من فرويد والغزالي أشكالا مختلفة من التوتر بين الهندسة الاجتماعية والحياة الجنسية”.
من هنا يكون النظامان الاجتماعيان على اختلاف ثقافتيهما قد قدّما أشكالا مختلفة من التوتر بين الهندسة الاجتماعية والحياة الجنسية، مرة حين قوضت حرية المرأة لأنها رمز للفتنة والفوضى، ومرة لأنها التجسيد الحي لأخطار الجنس وطاقته الهدامة .