أشكر للمشرفين على مجلة «نزوى» وللقائمين على الفعاليات الثقافية المصاحبة لمعرض مسقط الدولي للكتاب دعوتهم الكريمة لي للمشاركة في ندوة «مجلة نزوى ثلاثون عاما من الإنجاز الثقافي. ولا يمكن لأي مهتم بالشأن الثقافي مبدعا أو ناقدا أو أكاديميا أو حتى متابعا عاديا أن ينكر الدور الريادي لهذه المجلة منذ انطلاقتها قبل ثلاثين سنة. وقد كنت أتتبّع أعدادها وأنا طالبة في كلية الآداب بالمنامة إلى أن صارت تصلني بانتظام حينما انتقلت للعمل إعلاميةً بدبي. وقد فتّحتْ عيني على كثير من القضايا الفكرية والأدبية والنقدية وقرأت فيها نصوصا إبداعية شجعتني على نشر بعض قصائدي فيها. ولم يفْتَرْ حماسي لها لأنني على ثقة أنني أجد في كل عدد جديد منها زادا فكريا وإبداعيا لي بل وعونًا لي على الأفكار التي أناقشها في برامجي الثقافية المتعددة.
وحتى لا أكرر ما قاله الأساتذة المشاركون في هذه الندوة عن أثَر مجلة نزوى في المشهد الثقافي العربي وهم أخبر مني بذلك باعتبار أن منهم من كانوا ضمن عمودها الفقري، آثرتُ لإثراء النقاش أن أتساءل: ما مصير المجلات الثقافية في عصر وسائل التواصل الاجتماعي؟ وهل هو أمر حتمي أن مصيرها الانقراض؟ أم أن تحولها من الوعاء الورقي إلى الوعاء الرقمي كفيل بإطالة عمرها؟
قبل سنة بالضبط أعلنت مجلة «الدوحة» في بيان مقتضب عبر الفيسبوك توقفها عن الصدور، ورغم أن البيان لم يذكر أسباب التوقف إلا أنه من الواضح أن هذه المجلة الثقافية الرائدة لم تستطع المحافظة على وجودها نتيجة ارتفاع كلفة التمويل وفي ظل إعلام جديد له آلياته وقراؤه. وقد سبقت مجلة الدوحة إلى التوقف مجلات ثقافية مهمة كانت لها بصمتها الواضحة في المشهد الثقافي العربي مثل مجلة «الآداب» ومجلة «دبي الثقافية»، ومجلة «وجهات نظر».
وإذا كانت الصحف الورقية هي الأكثر تضررا من الإعلام الجديد فالباحث عن الخبر لن ينتظر 24 ساعة ليقرأه منشورا في جريدته المفضلة في حين يصله آنيًّا عبر التطبيقات والمواقع، تبقى المجلات الثقافية محظوظة من هذه الناحية باعتبارها وعاءً ثقافيا يقف في الوسط بين الجريدة والكتاب.
أنا متيقنة أن شكلها الورقي آيل للتوقف – ألا يقول صديقي الشاعر سيف الرحبي أن كل عدد يصدره من نزوى يعتقد أنه العدد الأخير – للأسف هي مسألة وقت فقط وليست نظرتي متشائمة بل هي مبنية على واقع نشهدُه يؤيده ارتفاع كلفة الورق والطباعة والشحن وتعقيدات التوزيع من إجراءات بيروقراطية ورقابية أحيانا. وحتى لو حظِيتْ أي مجلة ثقافية بتمويل حكومي سيكون ذلك مؤقتا لأن التمويل من أي جهة جاء ليس كرما حاتميا لا ينتظر مقابلا.
اعتماد المجلات الثقافية على صيغة إلكترونية ومنها مجلة نزوى خطوة ضرورية بما يتيحه هذا التحول من سهولة الوصول إلى القارئ بكبسة زر والإمكانات البحثية في المقالات وسهولة الأرشفة وسرعة التصويب والتحديث. ولكن هل هذا كاف لإطالة عمر المجلات الثقافية؟ لا اعتقد ذلك بل أرى أن الأوْلى إعادة النظر حتى في شكل المادة التي تحملها المجلة الثقافية باعتماد العنصر البصري أكثر، وملامسة اهتمامات جيل أصبحت ثقافته مختلفة وإلا ستجد المجلة نفسها محصورة في مجموعة من المثقفين المتقاعدين الذين ينتمون إلى عصر التلفزيون بالأسود والأبيض ومعذرة عن قسوة التعبير.
السوشيال ميديا فرضت على كل أوعية الثقافة من صحيفة إلى مجلة إلى كتاب إلى راديو إلى تلفزيون قاعدةً واحدةً حاسمة «تجددوا أو تبددوا» أي يجب إعادة نظر جذرية في الشكل والمضمون الرقمي وليس الورقي لأن الورقي شئنا أو أبينا يعيش على التنفس الاصطناعي وما هي إلا مسألة وقت لنترحم عليه. وأعتقد أن القائمين على مجلة نزوى يعون جيدا ما أنبه منه وأنا متفائلة بأن من أوصل سفينة المجلة إلى ضفة الثلاثين قادر على إيصالها إلى عيدها الذهبي والماسي من بعده. وشكرا لكم.