الشخصية الصهيوينة

0
17

يشمل مفهوم الله في اليهودية ثالوثاً مكوّناً من “الرب والشعب والأرض”، ويؤمن اليهود بأن النبي ملاخي هو أخر الأنبياء وأن الله لم يرسل أنبياء بعد عام 420 ق.م، وينتظر اليهود مجئ المسيا (المسيح) المخلص في نهاية العالم الذي سُيخلصهم من الشتات ويعيد إنشاء مملكة إسرائيل وُيقيم الوصايا والشريعة، ويبني هيكل سليمان ويسود السلام العالمي، ويؤمن اليهود بأن المسيح لم يأتِ حتي الآن، وكل من أدعوا المسيانية هم مسحاء كذبة ومهرطقين، لم يحقق أي منهم النبؤات الموعودة.

وتتراوح أعداد أتباع الديانة اليهودية بين 14.5 مليون إلى 17.4 مليون معتنق في جميع أنحاء العالم،  حيث أن تعداد اليهود في حد ذاته يعدّ قضية خلافية حول قضية «من هو اليهودي؟». في إسرائيل هناك إتجاهان: الصهيونية العلمانية والصهيونية المتدينة، وتعتمد الاثنتان، في المحتوى والأهداف، على التوراة ، ويفصل بينهم خط رفيع يكاد لا يُعرف، فالاثنتان تصدران من نفس المرجعية ولم تختلفان في نقطة واحدة، لأن الاولى وهي الصهيونية العلمانية تراها سجلاً للتراث أو التاريخ اليهودي/ وبذلك يدخل في مكوّنات الهوية القومية لليهود على اعتبار أنها حوّلت الصهيونية اليهودية إلى قومية،  والأخرى وهي الصهيونية المتدينة سماوياً تقوم على الإيمان بالدين اليهودي، وإن كانت أيضاً بهذه الصفة تُمثّل المكوّن المحوري للهوية القومية اليهودية.

في التورات نقرا في سفر سمويل الأول ما امر به ياهو شاول الذي تقول عنه التوراة إنه أول ملوك بني اسرائيل عندما واجه العماليقة من الأقوام التي تسكن فلسطين، وأريد أن اذكركم هنا بما قاله نتنياهو خلال حربه على غزّه مؤخراً عن موضوع العماليق؛ يقول رب الجنود: “اذهب واضرب العماليق، وأحرم كل ماله، ولا تتعفى عنهم رجلاً وإمرأة وطفلاً ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملاً وحماراً.

انتهى الكلام المكتوب في سفر مويه الأول، أوامر يهو هذه بالإبادة التي تتفاوت في درجات وحشيتها بحسب اختلاف البلاد المرشحة لتكون أهدافاً للاغتصاب والقهر، فبالنسبه للمدن البعيدة عن مواطن بني اسرائيل تبدو الوحشية أقل وطأة. نقرأ مرة ثانية في التوراة عن هذه البلاد إذا دفعها الرب إله الهك إلى يدك، فاضرب جميع ذكرها بحد السيف وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة فتغتنمها لنفسك وتأكل الغنيمة غنيمة أعدائك التي أعطاها الرب لك هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جداً. مرةً ثانيةً يختلف مصير مدن الشعوب القريبة من مواطن بني إسرائيل، فتراهم يقولون مدن هؤلاء الشعبة يعطيك الرب إلهك نصيباً لا تستبقي منهم نسمة بل تحرمهم تحريماً كما أمرك الرب الهك، وحين انتصر جند موسى على المديانيين وجاؤوا بالسبايا والغنائم، قال لهم موسى فالآن اقتلوا كل ذكر من الأطفال، وكل امرأة عرفت بمضاجعة ذكر اقتلوها، لكن جميع الاطفال والنساء من اللاتي لم يعرفن مضاجعة ذكر ابقوهن لكم أحياء، ويوصي الرب موسى قائلا فتطردون كل سكان الأرض من أماكن وتمحون جميع تصاويرهم وتبيدون كل أصنامهم المسبوكة وتخربون جميع مرتفعاتهم

بعد أن تمكن يوشع بنون من دخول أريحا وضع أسس التعامل مع أهل المدينة، فقتلوا كل من في المدينة، رجلاً وامرأه من طفل وشيخ حتى البقر والغنم بحدّ السيف، ولما استولى على المدينة عاي حدث الشيء نفسه، ولما انتهى اسرائيل من قتل جميع سكان عائى في الحقل وفي البرية حيث لحقوهم سقطوا جميعاً بحدّ السيف حتى فنوا. ومن وصايا الحرب يقال في التوراة” (قومي ودوسي يا بنت صهيون لأني أجعل قرنك حديداً وأطلافك أجعلها نحاساً، فتسحقين شعوباً كثيرة غنيمتهم للرب وثروتهم للسيد كل الأرض).

قام العالم السيكولوجي جورج تمارين باج باجراء بحث في جامعة تل ابيب 1966 حول ردود فعل الطلبة على سفر يوشع وفضاء اريحا ومقيده وغيرها من الأماكن، وقدّم ثلاثة أسئلة إلى 1066 طالب من الصف الرابع حتى الصف الثامن، وهي كالتالي: السؤال الأول: هل تعتقدون يوشع والاسرائيليين قد فعلوا الصواب؟، وكانت النتيجه أن 60% أجابوا بأن يوشع قد فعل الصواب.  السؤال الثاني: لنفرض أنّ الجيش الإسرائيلي يحتل قرية عربية بالقتال فهل يتحتم أن يفعل كما فعل يوشع مع أهالي أريحا ومقيده ، فوافق ما نسبته 30% منهم على العمل المثل ضد أهالي أي قرية عربية محتلة. أما السؤال الثالث فقد درس تأثير التمركز العنصري على الحكم الأخلاقي وطلب ردّ فعلٍ على عمل فظيع ارتكبه الجنرال لين في الصين البعيدة وحصل هذا السؤال على رد ايجابي من جانب 70%.

 يؤمن اليهود بأن الله يرسل أنبياء ثانويين من غير اليهود للأغيار من الأمم الأخري ليدعونهم للتوحيد ونبذ الشرك، ويرى بعض الحاخامات ومنهم نثنائيل بن الفيومي بأن محمد بن عبدالله نبيًا صادقًا لكونه عدل العرب عن الوثنية، وجعلهم يعبدون إله اليهود، ولكن رسالته موجهة للعرب خاصة وليست لليهود، ويُجادل البعض بأنه ربما تم تحريف رسالة محمد لكونها تدعو اليهود للإسلام وتذمهم.

الأيديولوجية الصهيونية أيضاً استعارت من الديانة اليهودية مفهوم الإبادة، وتفعل ذلك بزعم لتنفيذ العدالة الإلهية في حقّ الخطاة أو المخطئين، لأنهم يستحقونه لعصيانهم، كما أنه فعل يستهدف اقتلاع جذور الدنس حتى لا يتلوث بنو إسرائيل به، كمّا يُعدّ فعل التحريم تقديم من اليهود ونوعاً من الأضاحي تقدم لهم.

في التوراة يظهر اليهود قومًا جبارين لا يُقهرون أثناء رحلة خروجهم، إلا أن هذا لم يمنع أن يكون العماليق أول من داهمهم. ومع أنّ الغلبة كانت لليهود في هذه الحرب، إلا أن العماليق حطموا ثقتهم في قوتهم. إنّ هجوم حماس المباغت في السابع من أكتوبر قد جعل إسرائيل تعاني مجددا شعور فقدان الثقة بالنفس الذي لازمها طوال تاريخها

تظهر جغرافية انتشار العماليق أوسع بكثير. تذكر الوثائق العربية أنهم في الأصل عرب أصليّون (العرب العاربة) عاشوا أولا في محيط مدينة بابل، وبعد انهيار برج المدينة هاجروا إلى الحجاز، من هناك انتشروا في منطقة واسعة تشمل نجد وتيماء وعُمان والبحرين والجزيرة الفراتية وسوريا وفلسطين ومصر وإفريقيا (تونس). تعود السجلات التوراتية الأولى لتاريخ العماليق إلى الربع الأول من الألفية الثانية قبل الميلاد من زمن إبراهيم عليه السلام إلى ما بعد خروج بني إسرائيل من مصر.

بحسب التقاليد اليهودية، يمثل العماليق، أقدم الأقوام، أسوأ صور الشر، وأن “الهلاك الدائم” قد كُتب عليهم. إذ يُنظر إلى صراع إسرائيل والعماليق على أنه “رمز للصراع الخالد بين الخير والشر.”انظر Tora ve Aftar – المجلد الثاني”.

التهجير وصيّة توراتية

في الجلسة الافتتاحية للكنيست في السادس عشر من أكتوبر 2023، شبّه نتنياهو في حديثه عن الصراع الدائر بين إسرائيل وحماس بـ “الحرب بين الظلام والنور” وذلك يعزى إلى هذه الخلفية التاريخية، والتي منها ينبع اعتقاد اليمين المتطرف واليهود المتدينين اليوم في إسرائيل بأن تهجير العرب من إسرائيل أو إبادتهم هو وصية توراتية؛ وذلك لكون “العماليق” هم في أصلهم قبيلة عربية. إنّ ربط الفلسطينيين أو العرب بالعماليق لم يقتصر على السياسيين أمثال نتنياهو؛ إن انتصار اليهود في حرب الأيام الستة لعام 1967 واحتلال القدس وما لحقها من حروب مع العرب قد أعطى المتدينين من اليهود أملاً كبيراً. كما أن نتنياهو قد أشار إلى هذه الحروب في المؤتمر الصحفي الذي عقد في الثامن والعشرين من أكتوبر 2023.