من المثير للدهشة في تاريخ الفلسفة أن الكثير من الفلاسفة قديمًا وحديثًا نظروا للمرأة بازدراء وانتقاص من وجودها كإنسان، والأمثلة على ذلك عديدة في كتب الفلسفة.
لعلّ أوّل تعبيرٍ في تاريخ الفلسفة يرمي إلى التقليل من شأن المرأة، يعود إلى سقراط حين قال: “النساء يولّدن الأجساد، أما الفلاسفة فيولّدون الأرواح”. أي أن تقتصر حياة النساء على الحيّز الخاص داخل المنزل. بينما اعتبر أفلاطون الرجل “كائن كامل” وبالتالي بإمكانهِ السعي لتحقيق الكمال المطلق، دون المرأة التي لا يمكن لها تحقيق ذلك.
أما أرسطو، فكان صاحب الأثر الأكبر تاريخيًا في التنظير لدونية المرأة، فالمرأة أدنى من الرجل، لكونها تنطوي على نقصٍ طبيعي، وهو أنها لا تستطيع أن تقدّم حيوانًا منويًا يحتوى على الكائن الإنساني بأكملهِ. فالرجل في نظر أرسطو هو الجوهر والمرأة هي الناقص المكمل له.
وبالرغم من العقلية الفذة لأرسطو ومنجزاته العظيمة وتأثيره الواسع على تاريخ الفلسفة من بعده، إلا أنه يُعتبر متخلفًا فى نظرته للمرأة مقارنةً بأستاذه أفلاطون الذي -يُصنف بأنه مُفرط في اطروحاته الفلسفية-اعتبر أن المرأة لها نفس القدرات العقلية والجسدية كالرجل، وأنها يمكن أن تشارك في جميع الأنشطة والوظائف المجتمعية على قدم المساواة مع الرجل. ولذلك كان له رؤية متقدمة جدًا لعصره حول دور المرأة.
ومن اللافت في هذا السياق موقف الفيلسوف الإسلامي ابن رشد من المرأة، إذ دافع عن حقوق المرأة وساوى بينها وبين الرجل في القدرات العقلية والإنجازات العلمية والفكرية. وأيد مشاركة المرأة في الشؤون السياسية والاجتماعية.
وإذا انتقلنا من مرحلة الفلسفة القديمة إلى مرحلة الفلسفة الحديثة نجد العديد من الفلاسفة الكبار تتقاطع نظرتهم المتخّلفة للمرأة مع نظرة الفلاسفة القدماء. فرغم إعلاء عصر الأنوار من مكانة الإنسان ذكرًا وأنثى، لم تكن منصفه اتجاه المرأة. ففيلسوف الأخلاق كانط كان يعتبر النساء “لا يصلحن لأمورٍ كثيرة كبرى، فهنّ لسن مصنوعات للتفكير، بل أكثر اتكالاً على الحدس من العقل، وهنّ كائنات حساسة تهيمن عليها المشاعر”.
بينما اعتبر روسو أن المرأة ذات طبيعة مختلفة تمامًا عن طبيعة الرجل، ما ينتهي بإقصائهن عن الشأن العام والسياسة. وبالنسبة لهيغل، “النساء قادرات على التعلّم، ولكنهن غير قادرات على العمليات التي تتطلب ملكات كونية مثل العلوم المتقدمة، والفلسفة، وبعض أشكال الإنتاج الفني”.
وعلى الرغم من أن هذه النظرة الدونية للمرأة هيمنت على أعمال معظم الفلاسفة، يظلّ لشوبنهاور ونيتشه الحصة الأكبر في هذا المجال، كما أن صيتهما ذائع في العدائية اتجاه المرأة. كان شوبنهاور يرى أن المرأة “ذات عقلٍ أكثر ضعفًا وأقل قدرة على فهم المبادئ”. أما نيتشه، فمن منّا لم يسمع بعبارته “إذا ذهبت إلى المرأة لا تنسَ السوط”؟ ولا شك أنها نابعة من معانات شخصية عميقة في علاقاتهِ بالمرأة.
من المهم أن نأخذ في الاعتبار الظروف الاجتماعية والثقافية للمرحلة التاريخية التي عاش فيها كل فيلسوف قبل إصدار أي حكم على نتاجه الفكري، إلا أن ذلك لا يبرر بالمطلق المواقف والأفكار التي تنتقص من كينونة المرأة كإنسان، وتلغي أو تُضعف من مشاركتها في الحياة الاجتماعية بأشكالها المختلفة. والنقد هنا موجه أكثر للفلاسفة في المرحلة التاريخية الحديثة والمعاصرة.