كسر جدار الصمت ( 2 – 2)!

0
63

بقلم: Cinzia Sciuto
ترجمة: غريب عوض

إن إضفاء الطابع الجوهري والتجانس والتوحيد هي الاستراتيجية النموذجية للأصوليين. يجب ألا نلعب لعبتهم من خلال تعزيز صورة الإسلام الموحد. من المفهوم أن قدرة المرء على التمييز، وتحديد التباين، تكون أكبر عندما يتعلق الأمر بالظواهر المألوفة. ومن المفهوم أيضاً أنهُ كُلما كانت الظاهِرة بعيدة من الناحية الثقافية والجغرافية، كلما أصبحت أكثر ضبابية. لكن كِلاهُما غير مُبرر. وقبل كل شيء، لا يمكن تبريرها فيما يتعلق بالإسلام الذي لم يعُد بعيداً. على العكس من ذلك، فقد أصبح الإسلام جزءاً منا. هذا يتطلب منا أن نعرفه بأشكاله المُختلِفة المُتعدِدة.
في الإستفتاء على الدستور التُركي الذي دعا إليه رجب طيب أردوغان في عام 2017، يمكن للأتراك الذين يعيشون في الخارج أيضاً المُشاركة. في ألمانيا، كان الإقبال أقل من النصف. ولكن من بين الذين صوتوا، كانت نسبة الذين يؤيدون التعديل الدستوري أكثر من 60% – أعلى من نسبة الذين صوتوا داخل تركيا نفسها بـ 10%. وكما أشار الصحفي المُعارِض المنفي Can Dündar بأن غالبية الأتراك في ألمانيا مندمجون تماماً في المجتمع ولا يشعرون بأنهم مدعوون للمُشاركة في الحياة السياسة ’للوطن الأُم (تركيا)‘. ولكن النتيجة أظهرت أيضاً أن الأقلية المُتشدِدة، المُحافظة – الرجعية أفضل تنظيماً. وفي مثل هذهِ المواقف، تقع المسؤولية التاريخية على الغالبية الصامِتة. لا يمكن ببساطة أن يُتَجاهَل الأمر باستهزاء.
تكون العمليات الإجتماعية دائماً نتيجة التفاعل بين الظروف البُنيوية والعمل الذاتي. وهذا هو السبب في أنهُ من الضروري أن يقوم المسلمون العلمانيون بتشكيل جمعيات، وإظهار أنفُسهم ومحاولة التأثير على الخِطاب العام. يجب أن لا يتعلق الأمر بإنعزال المرء عن المجتمع، بل يتعلق الأمر بالتواجد في الفضاء السياسي والثقافي، ولا نتركها للأصوليون. ويتعلق الأمر بتنمية الصالح العام، واستعادة الهيمنة الثقافية، وتحمل المسؤولية تجاه مجتمع سياسي وثقافي أوسع، وليس فقط العائلة أو العشيرة.
لا تزال الرؤية والتأثير السياسي للمسلمين العلمانيين في المجتمعات الغربية ضعيفين للغاية.وهذا معناه أن بإمكان أكثر المؤسسات الإسلامية مُحافِظةً الزعم أنها تُمثل جميع المُسلمين. كيف يُمكن أن يحدث هذا ترسمهُ أحداث بعد الهجوم الإرهابي في لندن في 3 حزيران/يونيو عام 2017، عندما اصطدم باص بالمُشاة على جسر London Bridge، أدى إلى قتل 8 أشخاص وجرح 48 شخصاً. قامت عالِمة الإجتماع لمياء قدور، وهي باحِثة مرموقة في الإسلام ومُسِس تحالف المُسلمين الليبراليين في ألمانيا، بالترويج لمظاهرة في مدينة كولونيا، كان شُعارها “مُسلمون وأصدقاء ضد العُنف والإرهاب”. كما أكدت لمياء قدور، كانت هذهِ فُرصة ليس للإبتعاد عن الإرهاب، بل لإتخاذ موقف ضد الإرهاب.
كانت المُظاهرة فشلاً ذريعاً. عبر الناس عن عدم مُشاركتهم في المُظاهرة قائلين أنهم لم يشعروا بالحاجة إلى تبرير أنفسهم كمسلمين. من الواضح أنهم لم يفهموا بعد أن إظهار موقف المرء تجاه مشكلة تؤثر بشكل وثيق على المرء، حتى لو لم يكُن الشخص مسؤولاً بشكل مُباشر عنها، هو قبل كلُ شيء إشارة لأولئك في هذهِ الحالة الأصوليين الإسلاميين الذي سيستغلون صمت المرء. وكما كان مُتوقعاً، دعا اتحاد الإسلام التُركي للشؤون الدينية (DITIB)، وهو الرابطة القوية للمسلمين الأتراك في ألمانيا، إلى مُقاطعة المُظاهرة.
ونرى هذهِ الآلية وهي تعمل في سياقات أُخرى، أيضاً. على مدى سنوات، كانت المُحاجة “ولكن هذا ليس خطأي” تُستخدم لتبرير رفض أهل جزيرة صقلية الإيطالية التحدث عن عِصابات المافيا. والغالبية منهم لا ينتمون إلى هذهِ العِصابات الدموية؛ ولكن صمتهم خلق البيئة المِثالية لإنتشار ال Cosa Nostra. (عِصابات المافيا) فقط بعد مقتل المُحامِيين جيفوني فالكون Giovanni Falcone و بالو بورسيلينو Paolo Borsellino في عام 1992، بدأ الصقليون يدركون الحاجة إلى التظاهر، لإرسال رِسالة واضِحة إلى المافيا: ’نحنُ لسنا مثلكم ولن نسمح لكم بإهانة بلادنا. نحنُ لسنا شُركائكم، ولا حتى في صمتنا.‘
ومِثال آخر هو العُنف ضد المرأة. في حين أنهُ من الواضح أنهُ ليس كُلُ الرجال عنيفين، يجب أن يكون واضحاً بنفس القدر أن جميع الرجال يتحملون مسؤولية مُقاومة ثقافة يمكن أن يتطور فيها العُنف ضد المرأة. يُصبِح الرجال شُركاء في العُنف ضد المرأة عندما لا يتخذون إجراءات لتغيير تلك الثقافة. يبدأ هذا التواطؤ بمجرد أن يضحكوا على نكتة جنسية مُسيئة للمرأة. وهُنا، أيضاً، لا يتعلق الأمر بإبتعاد المرء عن الرجال العنيفين – سيكون هذا أمر سهل جداً. وإنما يتعلق الأمر بِمُساءلة النفس والآخرين، وأبدا االرأي بصوت واضح، من أجل عزل الرجال العنيفين وإظهار أنهم لم يعودوا مقبولين. المسؤولية وحتى الشعور بالذنب لا تنتج عن الأفعال فحسب، بل تنتجُ أيضاً من التراخي.

إستغلال رهاب الإسلام (الخوف وكراهية الإسلام) كأداة
بعد قرون من المعارك العلمانية، يُعتبر نقد الكنيسة الكاثوليكية والمسيحية بشكل عام الآن أمرٌ مشروع. وعلى النقيض من ذلك، غالباً ما يُقابل نقد الإسلام بتُهمة “رِهاب الإسلام”. Islamophobia. لا يمكن أن يكون شك بأن الإسلام هو دين أغلبية في أوروبا وأن المُسلمين غالباً ما يكونون عُرضة للتمييز. ومع ذلك، فإن إنتقاد استخدام دينٌ ما في الحياة السياسية، بل أيضاً الدين نفسه أو الأديان بشكل عام، هو حق أساسي لا يمكن أن يكون مُجرد مُعادل للتعصُب تجاه أتباع الدين.
ولكي نفهم كيف تم استخدام المُصطلح “Islamophobia رهاب الإسلام”، يكفي استبدال “المسيحية” بـ “الإسلام”. من الشائع في أحداث مسيرة Gay Pride وجود علامات وشُعارات مُعادية بِشدة للدين وكافرة بالله، وهو أمرٌ من الواضح أن الكنيسة ليست سعيدة بهِ. قد يعتبر المرء بالفعل هذهِ الشِعارات غير لائقة، لا طعم لها، مُسيئة وأكثرُ من ذلك. ولكن لم يتم اتهام أي شخص يستخدمُها بـ “كُره المسيحية”، أو بالكراهية تجاه المسيحيين على هذا النحو.
ولكن الأمر بالنسبة للإسلام قضية مُختلِفة. عندما أتهم أعضاء مجلس المُسلمين السابقين في بريطانيا (CEMB) في حادِثة London Gay Pride مسيرة المثليين في لندن في عام 2017، مسجد شرق لندن بـ “التحريض على قتل المثليين جنسياً”، لم تكُن هذهِ قضية رهاب الإسلام Islamophobia، كما أدعى المسجد. على الرغم من أن الإتهامات كانت عُنفاً، إلا أن وراءها لم يكُن هوساً بجنون العظمة تجاه المُسلمين، ولكن حقيقة أن المسجد المُتشدد كان يستضيف في الماضي الدُعاة الذين أشادوا صراحةً بإضطهاد المرتدين عن الإسلام والمثليين جنسياً. لأنهُ، في نهاية الأمر، كان من المُمكن أن يرُد المسجد بنفس القدر على مزاعم مجلس المُسلمين السابقين في بريطانيا برفع دعوى تشهير.
وعلى إثر احتجاجات المسجد، أعلان مُنظمو مسيرة Gay Pride مسيرة المثليين في لندن عن نيتهم إجراء تحريات فيما إذا كان مجلس المسلمين السابقين في بريطانيا قد إنتهك مُدونة قواعد السلوك الخاصة بالحدث، وتقييم إمكانية استبعاد المجلس من مسيرة Pride. ولكن لِحُسن الحظ، ذلك لم يحدث قط. ولكن حقيقة أن مثل هذا الشيء قد تمت مُناقشتهِ حتى يدلُ على المناخ الذي نشأ عندما يتعرض الإسلام للإنتقاد.
هُناك طريقة أُخرى شائعة لقمع انتقاد الإسلام وهي الحِجة “ولكن أيضاً”: نعم، هُناك رِهاب المثلية بين المُسلمين، ولكن هناك أيضاً كارهون للمثليين بيننا. بمعنى آخر، بما أن “نحنُ أيضاً” نواجه نفس المِشكلة، فنحنُ لا نملك الحق في انتقاد الآخرين. ولكن بمجرد أن يعيش المسلمون هُنا، فإنهم لم يعودوا “هُم” بل “نحنُ”، لِكُل فرد الحق في انتقاد رعايا آخرين من “نحنُ” الذين يشكلون المجتمع السياسي مجتمعاً غير ديني أو عِرقي ولكنهُ مؤسس على ميثاق التعايش. وعندما يتم إلقاء الأتهامات بِرِهاب الإسلام دون تمييز، فإننا نغفل عن كارهي الإسلام الحقيقيين – الموجودين.
إن مُصطلح Islamophobia”رِهاب الإسلام” يجعل من الإسلام قضية تستحق الحماية في حد ذاتها. لكن الحقوق لا تنطبق إلا على الناس وليس على الأديان والأفكار. ومن خلال تحويل الإنتباه من الناس إلى العقيدة التي يدينون بِها، يُصبِح الأول جديراً بالحماية فقط بحكم الأخير: كمُسلمين ومسيحيين وما إلى ذلك، وليس كأشخاص. وجميع هؤلاء الذين يأتون من دول إسلامية، ولكنهم ليسوا بمُسلمين أنفُسهم، يصبحون أقل استحقاقاً للحماية. هذهِ تجربة يومية للعديد من اللاجئين المُلحِدين والمُرتدين، الذين غالباً ما يجدون أنفُسهم يواجهون نفس التمييز الذي عانوه في البلدان التي فروا منها.
إنهُ من الظُلم وغير النزيه فكرياً أن نجمع العُنصريين وكراهية الأجانب الذين لديهم مشكلة مع المُسلمين في حد ذاتهم مع أولئك الذين ينتقدون الإسلام والأديان الأُخرى بإسم الديمقراطية والمُساواة وحقوق الإنسان. ولكن قبل كُلُ شيء، إنهُ خطير للغاية، ولا يخدم إلا العنصريين الحقيقيين. ليس من الصعب أن نفهم لماذا يُريد الأصوليون اختزال كل شيء إلى العُنصرية، ولكن ليس من الواضح كثيراً سبب رغبة التقدُميين المُعلنة عن أنفُسِهم في الإنضمام إلى هذهِ اللعبة. الإسلاميون وحدهم فقط هم الذين سيستفيدون عندما يكون وجود كُرهُ الأجانب والعُنصرية ذريعة لإسكات أي وكل انتقاد يُوجه إلى الإسلام.