الراحل مصطفى التمار

0
82

الثاني عشر من يونيو 2024 كان موعد الرحيل الأبدي للرفيق والصديق مصطفى سلمان التمّار، في وقتٍ كان المنبر التقدمي يقيم حفلاً تأبينياً لثلاثة من الرفاق، نصير لجبهة التحرير الوطني البحرانية ورفيقين منتميين للجبهة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، فما أصعبه من ظرف لاسيما وأن الرفيق مصطفى التمار كان عضواً ناشطاً وبارزاً في الحراك الانتخابي البرلماني للمنبر التقدمي منذ تأسيسه.

الرحيل حالة بديهية وملازمة لحياة البشر، لكن ما هو أصعب على المرء رحيل إنسان يتحلى بالروح الرفاقية كباقي الرفاق اللذين غيّبهم الموت واحداً تلو الآخر تباعاً، وآخرهم الرفيق مصطفى التمّار الذي يحظى بمكانته السياسية والاجتماعية في ظرف يكون المجتمع وحركته السياسة بأمسّ الحاجة إليه، لاسيما وأن الرفيق اتصف طوال حياته  بالصدق والإخلاص والأخلاق الحميدة المتميزة في علاقاته الاجتماعية والسياسية وحتى الأسرية، التي من خلالها يكن له كل الأهل والأصدقاء والرفاق الاحترام والتقدير، كونه مناضلاً صلباً بكل ما تعنيه الكلمة من معان في الدفاع عن مصالح المجتمع دفاعاً مستميتاً متمسكاً في ذات الوقت بمبادئه الفكرية والاممية، تلك المبادئ التي تمثل بالنسبة إليه بوصلة العمل السياسي في الدفاع عن حقوق الشغيلة الكادحة من جانب، وضد الاستعمار البريطاني الغاشم الداعم للأنظمة الاستبدادية من أجل إرساء الحرية والديمقراطية والسلم من جانب آخر.

إن الرفيق مصطفى التمار كباقي الرفاق الآخرين الذين لن ينساهم التاريخ، لأن تفانيهم وعطائهم في شتى ميادين الحياة السياسة والاجتماعية وتضحياتهم الدؤوبة منذ ريعان شبابهم، هو الباقي في الذاكرة، وما سيسجله التاريخ لهم هو إصرارهم الشديد التمسك بمبادئهم ومعتقداتهم الفكرية، وهم من ساهموا بنشر تلك الأفكار النيرة المستمدة من النظرية الماركسية اللينينية في الوسط الاجتماعي، كما ضحوا بالغالي والنفيس من أجل الحرية وإرساء الديمقراطية في البلاد، هادفين بذلك تحقيق الحياة الحرة الكريمة لكافة المجتمع البحريني دون تمييز طائفي وعرقي ومذهبي وما شابه ذلك، نابذين بنضالهم السياسة الاستعمارية “فرق تسد” والمطالبة المستمرة بضرورة إرساء وتجسيد شعار الوحدة الوطنية على أرض الواقع، فما نشهده اليوم من تطوّر في جميع المستويات هو نتيجة لتلك التضحيات التي قدّمها العديد من شرفاء هذا الوطن، ومن بينهم الرفيق مصطفى التمار، الذي أفنى شبابه بالعمل المتفاني المشبع بالصدق والاخلاص نحو مجتمعه وشعبه وأسرته، لاسيما وأنه منحدر من عائلة كادحة مثقفة متفانية في التضحية والعطاء.

 مصطفى التمار أحد أعضاء جبهة التحرير الوطني البحرانية منذ صغر سنه، وتدرج في العمل الحزبي، فكان كادراً مرموقاً وناشطا حيوياً يشهد له بذلك كل من عاصره في العمل السياسي وميدان العمل المهني من أصدقاء ورفاق، وكان يحيي مناسبات ميلاد الجبهة وتأسيس الشبيبة في فترة قانون أمن الدولة السيئ الصيت، تلك الظروف العصيبة المصاحبة لقانون القمع والإرهاب، ونتيجة لنشاطه الدؤوب تعرض للاعتقال مرتين، كانت الثانية منهما ضمن الضربة القاسية للجبهة والشبيبة في العام 1986 والتي شملت العديد من الكوادر اللامعة شملت رفيقات تعرضن للتعذيب النفسي طوال فترة الاعتقال التي دامت ما يقارب الشهرين، أما الرفيق مصطفى التمار وبقية الرفاق فقد لاقوا أشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي الذي أدى إلى استشهاد الرفيق هاشم العلوي نتيجة ما تعرض له من تعذيب وحشي.

 وخوفاً من تزايد عدد الشهداء قدّم بقية الرفاق لمحاكمات صورية فصدر الحكم بحق الرفيق مصطفى التمار بالسجن لمدة خمس سنوات وبعد خروجه من السجن لم يكن نادماً أو يائسا بل واصل طريقه في العمل السياسي والمهني على حدٍ سواء، فكان متفائلا بالمستقبل المشرق لبلاده ولشعبه حيث انه أصبح متابعا للأوضاع السياسية في الداخل والخارج، إلى جانب مزاولته العمل المهني في الاشراف الهندسي المعماري للبناء والتعمير حتى آخر نفس من حياته.

في الختام لا يمكن القول إلا لروحك يا رفيق السكينة والخلود.