14 أغسطس يوم الاستقلال الوطني للبحرين

0
71

    بعد انتهاء  الحرب العالمية الثانية في عام 1945، والانتصار الكبير الذي حقَّقه الحلفاء على القوات النازية والفاشية والعسكرية اليابانية، وبروز الاتحاد السوفياتي كقوة عظمى وقيام منظومة الدول الاشتراكية في أوروبا الشرقية، توالت انتصارات حركات التحرر الوطني ضد المستعمرين في العديد من بلدان العالم، كان أبرزها نيل الشعب الهندي حريته واستقلاله الوطني من المستعمر البريطاني في 15 أغسطس من عام 1947، بعد ثلاثة قرون من الاحتلال والاضطهاد. كان هذا بمثابة هزيمة  كبرى لبريطانيا العظمى، الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس، وإذا بها تخسر العديد من مستعمراتها حول العالم، لهذا جاء انسحابها من عدن بعد هزيمتها على أيدي ثوار الجبهة القومية في عام 1967، ولهذا جاء قرارها بالانسحاب من الخليج العربي، والتخلِّي عن قواعدها العسكرية.

شكّل ذلك صدمةً لحكام المنطقة، حيث طرح، يومها، السؤال: من سيملأُ الفراغَ بعد هذا الإنسحاب، هل شاه إيران، الذي كان يطالب بضمِّ بلادنا البحرين إلى إيران. كان حكام الخليج على قلقٍ، فدارت حوارات ولقاءات بين حكام المنطقة حول تشكيل الاتحاد التساعي ولكنهم لم يتوافقوا عليه، وبالأخص البحرين وقطر، وأصبح الخيار فيما بعد تشكيل اتحاد سباعي، حيث تمّ الإعلان عن  قيامه واستقلال اماراته عن بريطانيا في الثاني من ديسمبر عام 1971  باسم (الإمارات العربية المتحدة)، بادئ الأمر لم تنظم إليهم رأس الخيمة ، انظمَّت لاحقاً في فبراير من عام 1972.

كتب النائب السابق الأستاذ على ربيعة مقالاً نشر في شهر أغسطس 2012 على موقع التقدمي معلوماته على شكل تقرير من الأرشيف البريطاني، حيث يذكر عن إضراب الكهرباء في عام 1968 الذي قاده رفاقنا مناضلو جبهة التحريرالوطني البحرانية:

“تواصلت  أعمال  الاحتجاج والاعتصامات  لتصل  الى محطة  الكهرباء التي شهدت  في  شهر إبريل  1968  عدداً من الإضرابات القصيرة التي لم   تكن لتُؤَثِّر على إمدادات الطاقة   الكهربائية، وقد تمَّ  فكُّ  الإضراب وتسوية  النزاع  في نهاية إبريل وذلك بموافقة  الإدارة على تعديل  رواتب العاملين، وبهذه المناسبة أصدرت  جبهة التحرير الوطني في  مساء   الثاني  من مايو   1968  منشوراً تحدثت  في مقدمته عن الانتصار الكبير الذي حقَّقه عمال  الكهرباء و من ثمَّ وجَّهَت الجبهة  اتهامها لكل من دائرة الكهرباء و الشرطة والشيخ خليفة  (الذي تدخَّل  في الإضراب) والإمبريالية بشكل عام، وكان  النقد اللاذع من نصيب دائرة  ”العمل والعمال” الحكومية. ولم يغفل البيان الإشارة إلى ضرورة  تكوين الاتحادات  العمالية وغيرها من الاتحادات مثل الاتحادات الطلابية، وهو  المطلب الذي يتماشى وبرنامج الجبهة ويتكرر دائماً في بياناتها، وآخرها البيان الذي هاجمت  فيه الجبهة دائرة  التعليم).

وعن المطالبة الإيرانية بالبحرين جاء في التقرير: “يعتبر  موضوع المطالبة  الإيرانية  بالبحرين من  المواضيع  البالغة  التعقيد والحساسية التي ورثها شاه إيران من حكومة الدكتور  مصدق ومثَّلت بذلك ما يشبه الورطة  السياسية.  فالشاه  وجد نفسه بين مطرقة إرضاء  الولايات  المتحدة والمملكة المتحدة  بقبول التسوية السياسية التي  تفضي لاستقلال البحرين وسندان كسب رضا الشعب الإيراني حيال أية تسوية وعدم خسرانه  للكرامة  الوطنية) .

من الجدير بالذكر بأن موضوع استقلال البحرين تم تبنِّيه من قِبل هيئة الأمم المتحدة، بحيث يُطرح على شكل استفتاء على شعبنا، هل يريد الانظمام إلى إيران أو يريد استقلاله الوطني ويؤكد على حريته وعروبته بالانتماء إلى الوطن العربي، هذا ما جاء في تقرير المبعوث الدولي الإيطالي وينسبر  جيو  شاردي. 

يضيف الأستاذ علي ربيعة في مقاله نقلاً عن الأرشيف البريطاني: “أمضى المبعوث الدولي  عشرين يوما في مقابلاته وخلص التقرير ليعبر عن الإجماع حول عروبة البحرين وإستقلالها. فموقف ممثلي الطائفة الشيعية بمن فيهم  رؤساء المآتم والحسينيات لم  يكن ليختلف عن موقف أبناء  السنة في هذا الموضوع الخطير  الذي يتناول مستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم. ما  أن أنهى المبعوث مهمته حتى قفل راجعاً إلى جنيف في 18 أبريل  1970 وذلك لكتابة  تقريره  للأمين  العام للأمم المتحدة  السيد يوثانت. وبهذه  المناسبة بادرت  جبهة   التحرير  الوطني  بإرسال الخطاب التالي إلى ممثل الأمين العام السيد المستر وينسبير جيو شياردي تعبر فيه عن احتجاجها واستنكارها حيال هذه العملية وضمَّنت هذا الخطاب المطالب التالية:

” إن جبهة التحرير الوطني البحرانية ترفض الصيغة الحالية التي قام بها مبعوث يوثانت  الشخصي الذي  أتى ليثبتَ  حقيقة بديهية وهي أن البحرين  جزءٌ من الوطن  العربي. إن شعب البحرين يطالب الأمم  المتحدة ملاحظة النقاط التالية  لتقرير مستقبل البحرين  السياسي:-

1 –  رفض الاستعمار البريطاني والحكم  الرجعي وإدانة  الإدعاء الإيراني.

2 –  إلغاء المعاهدات الاسترقاقية.

3 –  المطالبة بحق تقرير المصير بحيث يكفل الاستقلال الحقيقي.

4 – إبعاد القواعد العسكرية و أجهزة الدمار والحرب.

5 – إطلاق الحريات  الديمقراطية.

6 – إزالة حالة الطوارئ لكي يتمكن الشعب من ممارسة جميع  حقوقه السياسية في جوٍّ  ديمقراطي لا يستند إلى اللون أو العنصر أو الطائفة أو الجنس.

7 – إطلاق سراح المعتقلين و السجناء  السياسيين.

8 – السماح للمنفيين بالرجوع الى أرض الوطن.

تجدر الإشارة هنا إلى أن خطاب الجبهة سُلِّمَ إلى المبعوث الدولي في مقر إقامته في فندق الخليج بالبحرين، كما أن رفض الانضمام إلى إيران جاء من جميع مكونات وأطياف الشعب البحريني، من أندية رياضية وثقافية ومنظمات المجتمع المدني، التي أكدت جميعها على السيادة الوطنية والانتماء للعروبة و الوطن العربي .

أي شعب من شعوب العالم يعتز بتاريخه الوطني، ولاسيما نضاله وكفاحه ضد الاستعمار الأجنبي وإخراجه من أرض الوطن، ونيل الحرية والاستقلال الوطني، وهذا ما حدث  مع شعبنا البحريني الذي قدَّم تضحيات كبيرة في سبيل حريته واستقلاله الوطني، وجاء الاستقلال بفضل نضالات أجيال عديدة من الحركة الوطنية في البحرين منذ عشرينيات القرن الماضي حتى فجر الرابع عشر من أغسطس عام 1971، عندما تمَّ الإعلان عن استقلال البحرين، وأصبحت البحرين دولة مستقلة ، في نفس الشهر من أغسطس عام 1971 تقدمت للحصول على عضوية في هيئة الأمم المتحدة، وفي شهر سبتمبر نالت العضوية، وتمَّ تعيين الأستاذ المرحوم سلمان الصفار سفيراً لها في مقر هيئة الأمم المتحدة في نيويورك، وكذلك حصلت على عضوية في جامعة الدول العربية.

وبدأت البلاد تهيِّء نفسها للمرحلة القادمة بعد الاستقلال الوطني بالتحضير والإعداد لإصدار دستور للبلاد على غرار الدستور الكويتي، وهذا ما حدث بعد الإضرابات العمالية التي جرت في مارس من عام 1972، وبالفعل صدر الدستور في يونيو من عام 1973 من خلال المجلس التأسيسي، وفي السابع ديسمبر  عام 1973، أُجرِيت أول انتخابات ديمقراطية في البلاد حققت فيها ” كتلة الشعب”  اليسارية المشكلة من جبهة التحرير الوطني البحرانية انتصاراً كبيراً بإيصال ثمانية مرشحين من أصل اثني عشر مرشحاً للكتلة، ما أحدث  قلقاً كبيراً في المنطقة؛  شاه إيران من جهة وبعض دول الخليج من جهة أخرى  بوصول “شيوعيين و ديمقراطيين” إلى قبة المجلس  الوطني وفي بلد خليجي  للتو نال استقلاله الوطني. كانت التجربة البرلمانية الأولى في تاريخ البحرين الحديث، لكنها أَجهِضت في السادس والعشرين من أغسطس عام 1975، بحل المجلس الوطني وتعليق بعض مواد دستور 1973، وتمَّ اعتقال العديد من مناضلي جبهة التحرير والجبهة الشعبية وبعض أعضاء كتلة الشعب في الثالث والعشرين من أغسطس 1975 فيما عرف في أدبيات الحركة الوطنية البحرينية بـ”هجمة أغسطس”، وتمَّ تطبيق قانون أمن الدولة ومحكمة تدابير أمن الدولة على المعتقلين والسجناء السياسيين في البلاد .لتطوى صفحة جديدة ورائدة في الديمقراطية والانتخابات النيابية، وتبدأ صفحةٌ سوداءُ تستمر لربع قرن في الوطن حتى فبراير من عام 2001.