اِتّبِعوا الحَياةَ التّآلفيّةَ!

0
34

          اِقتَرَبت النّهاية، وحَلَّ هَلاكُ بَني الإِنسِ أجمعين.

          الكَثيرُ مِنَ النّكوصيّين نُكوصيّونَ وهُم لَا يَعلَمون، وهُم نَاكرون بِجَهل ولَيسَ استكباراً. ولِهَذَا السَّبب، تَقَعُ عَليّ مسؤوليّةٌ تَوضيحِ طَبيعةِ الحَياةِ التّآلفيّة، وضرورتِها، فِي مبادئ بسيطة، وهِيَ كَالتّالي:

          لَا تَعبِدوا الأصنام. فِي العُصورِ القَديمة، كَانتِ الأصنامُ تُصنَع مِنَ الفَخارةِ، والحِجارةِ، والتَمرة. أَمَّا أصنامُنا اليَوم فَهِيَ الممّتلكاتُ، والكُتبُ، والمَشاهيرُ، والحُكُوماتُ، والأخبارُ التّاريخيّةُ، والألقابُ، والصّحفُ، والجَامعاتُ، والبَرلَماناتُ، والأموالُ، والسُّلَع. أنا شَخصيّاً سَمِعتُ نُكُوصيّاً يَقولُ إِنَّهُ لَا يَقرأ، ولَن يَقرأ، إلّا كُتُباً ألّفَها ماركس، ولينين، وستالين. وشَهِدتُ نُكُوصيّاً يَقولُ إِنَّهُ بِانتظارِ اتّحادٍ سوفيّتي جَديدٍ أَن يَنهَضَ عَلَى يَدِ بوتين. ومَن مِنا لَم يَجِدُ مثقّفاً، وهُم كُثرُ فِي البحرين، مُعتدّاً بِشهاداتهِ، وبِألقابهِ، وبِمؤلّفاتهِ، وبِصورهِ المُعلّقةِ فِي الصُّحُفِ والمجلّات؟ ومَن مِنا لَم يَجِدُ بَيننا عَابِداً لِفيلسوف، أو لِمُفكّر، أو لِكاتبٍ، أو لِسّياسيّ؟ لِدَرَجةِ أَنَّهُ لَا يَبدأُ جُملةً مِن دونِ أَن يؤكِّدَ أَنَّهُ يَتَحدّثُ بِاسمهِ؟ إِنَّ التّماثيلَ قَد حُطِّمت قَديماً، ولَكن مَا تزالُ الأصنامُ قائِمةً إِلى يَومِنا هَذَا.

           إِنَّ المُتآلِفَ هُوَ مُحطِّمُ الأصنامِ فِي المَقامِ الأوّل.

          لَا تُنجِّموا. مَا زالَ الكَثيرونَ يؤمِنونَ بِالتّنّجيمِ حَتَّى وإِن كَانوا يَتَفادونَ المّنجّمينَ الشّعبيّين. أَحَدُ أخطرِ أشكالِ التَّنجيمِ هُوَ الإيمانُ بِأَنَّ القَدَر يَعمَلُ وِفقاً لِمَا نَتَمنّى أَو لِما نَتَخيّل. وأرى أَنَّ كثيرَنا يُعوِّلُ عَلَى أزمةٍ مِن شأنِها أَن تُحدِثَ التّغييرَ المُنتَظَر فيَبدأونَ بِالتَّنجيمِ. ولَا أستطيعُ أَن أحصِرَ لَكُم عَدَدَ المَرّاتِ الّتي وَجَدتُ فِيها نُكُوصيّاً يَهوى التَّنجيم. أولَم يَقل المرتدُّ خروتشوف إِنَّ الشّيوعيّةَ سَتحِلُّ بِحلولِ عامِ 1990، وفِي الواقعِ انهارَ الاتّحادُ السّوفيتيّ فِي العامِ ذاته؟ كَمَا قَرأتُ مرّةً لِفؤاد النّمري يَقولُ إِنَّ البروليتاريا سَتَنتَصر فِي العالمِ كُلّهِ بِحلولِ عام 2020؛ وهُوَ توفّيَ بَعدَ هَذَا المَوعدِ بِعامين. أولَم يَقل الحِزبُ النُّكُوصيّ الصّينيّ إِنَّ الاشتراكيّةَ سَتَحِلُّ كُلّيّاً بِحلولِ عامِ 2049، والرّأسماليّةُ -يوماً بَعدَ يوم- تَتَعزّزُ فِي الصّين؟ ومؤخّراً قَالَ الرّاحِلُ عَبدالله خَليفة إِنَّ الاشتراكيّةَ سَتَستغرِقُ قُرُوناً وسَتَحِلُّ تِلقائيّاً حينَ تَنهارُ الأسعارُ فِي ظِلِّ سَيطرةِ العُمّال عَلَى البَرلَمانات. ومَا دامَ الأمرُ مُتعلّقاً بِقرونٍ مِن وَقتِنا الحاضر، فَإِنَّ لَا أحدَ مِنّا سَيكونُ حَيّاً لِيشهَد مَا إِذا كَانَ تَنجيماً صائباً أم لَا. كَمَا أذكِرُ أنّني قرأتُ لِأَحَدِ المتحمّسينَ، بَعدَ الغزوِ الرّوسيّ لِأوكرانيا، يَقولُ إِنَّ الرّوسَ سَيطوِّقونَ كييفَ فِي غُضونِ أسبوعٍ كامل، وإِنَّ الأوكرانَ سَيُغلَبونَ كُلّيّاً فِي غُضونِ شَهرٍ واحد؛ كَانَ ذَلِكَ قَبلَ عامين. كَمَا أنّني أَذكِرُ أَنَّ أَحَدهُم قالَ، فِي أكتوبرَ الماضي، إِنَّ إيرانَ، ومَعَها مِحورُ المقاومة، حَتماً تُجهّزُ لِحَربٍ شاملةٍ مَعَ إسرائيلَ مَا إِذا قامت الأخيرةُ بِاجتياحِ غَزّة؛ كَانَ ذَلِكَ قَبلَ عشرةِ أشهر.

          أُحذِّرُكُم مِن شَكلٍ خَطيرٍ لِهَذَا النّوعِ مِنَ التّنجيم:”الماديّةُ الدّيالكتيكيّة“. إِنَّها لِمَنظومةٌ فَلسفيّةٌ تَضمِنُ النَتيجةَ وتُسقِطُها عَلَى الأسباب. فَالمُنجِّمَ يضعُ مثالَهُ قبلَ كُلِّ شَيءِ آخر، ومِن ثَمَّ يَعِدُّ الأسباب. أَلم يَقل أَحَدُهُم إِنَّ واقعَ أَنّنا نَشهِدُ صِراعاً مَا بينَ” الشّمالِ العالميّ“ و ”الجنوبِ العالميّ“، لَا بُدّ أَن يعنيَ ”أحقيّةَ“ الفِكرةِ المَخصيةِ القائلةِ بِتَعدّدِ الأقطاب؟ إِنَّهُ قَد وَضَعَ، ديالكتيكيّاً، الصّراعَ بينَ الشّمال والجنوب، وأسَقَطَ استنتاجاً يُحبّذهُ هُوَ عَلَى التّناقضِ ذاته، إِذ إِنَّهُ أَخَذَ الجانبَ السّالبَ مِنَ المُعادلةِ (الجنوب)، وأعطاها الأوليّةَ فِي التّناقض. وعَلَى هَذهِ الطّريقة، أصبَحَ مُنجِّماً مِنَ الدّرجةِ الأولى.

          إِنَّ المُتآلِفَ لَا يُؤمِنُ بِالحكاياتِ الخُرافيّة.

          جَاهِدوا المُذهِباتِ والشَّهَوات والأهواء. اصلحوا أنفسَكُم، ولَا تَكونوا عَبيداً لِلمُسكِرات، والنّساء، والأموال، والشّهرةِ، والنّومِ، والكَسَل، والمآكِل.

          مَن كَانَ هَمّهُ بَطنَهُ وفَرجَهُ، فَليتَطَهِّر وليُمسِك لِيَومٍ كامل، وإِذا عادَ فَليَتَطَهّر وليُمسِك ثانيّة. ومَن كَانَ هَمّهُ جَيبهُ فَليَتَصدّقَ معاشَ يومٍ كاملٍ لِأيِّ مُحتاج. ومَن شَعِرَ أَنَّهُ قَد بَلَغَ الجِبالَ والسّماءَ فَليخدِم ولِيَطع، وإِذا لَم يَستطع فَلِيُمرِّغ وَجههُ فِي التّراب ويَمشي ذَليلاً بينَ أصحابه. ومَن عَشِقَ النّومَ عَليهِ بِالهُجُودِ، إِلى أَن يَأخِذهُ الذّهولُ بِأعاجيب الطّبيعة. ومَن فَرَّ مِن العالمِ بِالخَمرةِ فَليستَبدِلها بِالماء. لَا تَترِكوا الشَّهَواتِ ومُذهِباتِ العَقلِ مِن دونِ مُجاهدة. مَن أرادَ تَغييرَ العالمِ فَلَيأخذَ هَذَا الوِزرَ ولِيُجاهِدَ نَفسَه، وإِذا لَم يَستطع فَليَلزِمَ بيتهُ وصَمتهُ!

          أصلحوا أنفسَكُم واجتَمِعوا فِي جَماعةِ المُتآلفينَ وأدّوا الألفة. التّنظيمُ السّياسيّ وَحدهُ لَا يَنفعُ بِشَيءٍ مَا لَم يَكن قائماً عَلَى جماعةٍ متآلفِةٍ، أو مُجتمعِ الألفة، أو المؤتَلَف.

          اتّبِعوا الحياةَ التآلفية، إِذ ذَلِكَ هُوَ الفِعلُ الثّوريّ الأسمى اليوم.