قدّمت دولة جنوب إفريقيا طلبًا رسميًا إلى محكمة العدل الدوليّة في 29 ديسمبر 2023 لمحاسبة إسرائيل وجيشها على أعمال الإبادة الجماعيّة في قطاع غزة وسقوط الآلاف من الضحايا المدنيين العزل بسبب القصف الإسرائيلي وأعمال التهجير القسري للفلسطينيين من بيوتهم.
ليس غريبًا على دولة جنوب إفريقيا هذا الموقف الإنساني المشرف، فهي التي تحملت لسنوات عديدة نظام الفصل العنصري، كما أنها أكثر الدول معرفة باضطهاد دولة لدولة أخرى أو لشعب آخر، ولذلك ما تقوم به بمثابة خطوة مهمة وتؤكد الارتباط الوثيق بين الدول الأفريقية والدول العربية، وخصوصًا القضية الفلسطينية.
يومًا بعد يوم، تتزايد عدد الدول التي تنضم أوتعلن اعتزامها الانضمام إلى القضية التي رفعتها دولة جنوب إفريقيا أمام محكمة العدل الدولية لإدانة الاحتلال الإسرائيلي وكشف مساعيه للإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة. سيسجل التاريخ أسماء الدول التي بادرت في الانضمام إلى دعوى جنوب إفريقيا، من بين هذه الدول: نيكاراجوا، تشيلي، إسبانيا، المكسيك، إيرلندا، بلجيكا، إيران.
بعد اختتام محكمة العدل الدولية جلسة الاستماع الأولى في قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، أثارت القضية جدلاً في العالم العربي حول سبب عدم انضمام الدول العربية إلى جنوب إفريقيا في المحكمة، أو عدم رفع أي دولة عربية قضية مماثلة في محكمة العدل الدولية أو المحكمة الجنائية الدولية.
قد تزعم العديد من الدول العربية أن لديها تفسيرًا معقولًا لتجنب مثل هذه الخطوة القوية. وفي الواقع أن الخوف من العواقب المحتملة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية وتحدي موقفهم الداعم بالمال والسلاح لإسرائيل هو ما يمنعهم.
من جانب آخر فمنذ بداية الحرب في غزة وجدت عدة حكومات عربية نفسها في موقف معقد. فمن جانب توجبت عليها مراعاة التوجه الشعبي المساند دائمًا للفلسطينيين. وبالمقابل فهي مضطرة لمراعاة سياساتها الخارجية والتزاماتها الديبلوماسية حيال مسألة التطبيع مع إسرائيل.
لقد أصدرت محكمة العدل الدولية فتواها، واستنتاجها واضحٌ لا لبسَ فيه: إنَّ احتلال إسرائيل وضمها للأراضي الفلسطينية غير قانونيَيْن، وقوانينها وسياساتها التمييزية ضد الفلسطينيين تنتهك الحظر المفروض على الفصل العنصري والأبارتهايد. وهذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة العدل الدولية موقفاً بشأن ما إذا كان “الاحتلال المستمر منذ 57 عاماً غير قانوني”. ورغم أن هذا الرأي استشاري إلا أنه قد يكون له تأثير أكبر على الرأي الدولي في السنوات القادمة.
بغض النظر عن قرار محكمة العدل الدولية سواءً القرار الإجرائي بوقف الأعمال القتالية، أو المضمون بإدانة إسرائيل بجريمة الإبادة الجماعية، فإنّ المرافعة المتقنة التي قدمتها جمهورية جنوب إفريقيا أمام المحكمة، بل أمام العالم، فضحت بشكل مكثف ممارسات الحكومة الإسرائيلية. شكرًا جنوب إفريقيا شعبًا وحكومةً لأنّكم انتصرتم للإنسانية ولأنّكم سعيّتم لتحقيق العدالة الدولية، ولأنّكم حاولتم منع إفلات الحكومة الإسرائيلية من العقاب.
بالمقابل إن استمرار الموقف الرسمي العربي بصمتهِ وعجزهِ عن ما يجري من حرب إبادة وجرائم بشعة يشنها العدو الإسرائيلي بحق غزة وأهلها، لهو خذلان وموقف عار سيُدّون في سجلات التاريخ.