* إلى محمد العتّابي
1.
يُحكى يا واجدَ نفسه، يا صديقي
أن الظل في قديم العصور، كان ضوءًا كباقي الأضواء، أبيض أو أصفر، أو محمرّ، وكان يسقط على الأشياء فيعطيها لونها، ووقتها لم يكن ثمة ظل للأشياء، ولكثرة ما تماهى بالآخرين، شكا (الظل/ الضوء) هذا حاله لربه، قال له: يا إلهي، أيّ شيء أنا؟ وأنا لا لون لي، ولا هيئة، كل ما أفعله أني أقع على سواي فيكون ما هو كائن منه! يا لتعاستي يا إلهي، امنحني أكن شيئا كباقي الأشياء، امنحني لونا حتى وإن كان معتما، شاحبا، أعطني هيئة وإن كانت هيكلا أتبدّى بها وأعرفُ نفسي.. نظر إليه الرب نظر المشفق عليه: وقال له، لك ما أردت أن تصنع بنفسك، منذ الآن لن تكون ضوءا، إنما ما خلفه، ولا لونا إنما عتمته، ولا شكلا إنما هيكله، وهكذا منذ ذلك الحين، لم يعد هذا (الضوء/ الظل) يقع على شيء، بل صار يقع وراءه، ولم يعط للأشياء لونها، بل عتمتها، ولم يمنحها هيئتها بل هيكلها..
منذ ذلك الحين، والظل الذي رأى نفسه، يبكي حسرةً وندما، ساعة عرف أنه صار الظلمة، الظلمة كلها، وما شكله الذي صار إليه، إلا افتراقُ أخيه الضوء عنه.
2.
من قال إنك لم تجدكَ
وجدت نفسك في الضياع
مغرَّبًا بين الدروب
ومفتّتا فيها
هباءً، مثلما يمضي يؤوب
تسفو على معناك
حتى لا يُرى
وتطمُّ وجهك بالوجوهْ
وتمّحي في الآخرين
وفي هواجسهم تتوه
ووجدتَ أنك أيها المنسيُّ
في الأوهام، لست سوى
التفاتٍ نحو خلفٍ لم تطأه
وكلما حاولت رؤيته
يذوب..
3.
يا قدح الطين الذي في الأوار
لا تبتئس في اليأس أو في الرضا
اقطع بهذا الفقد عمّا مضى
فحقّ أن تصليك نار الغضى
لا يذكر الظامئ إذ يحتسي
منك شرابا باردا ابيضا
أن الذي قسّاك ذاك الجحيم
وماؤك ابن النار مهما انقضى