تضمّن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت القول إن قضاتها توصلوا إلى قناعة بأن الاثنين مسؤولان عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ومهاجمة السكّان المدنيين، بين الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، والعشرين من مايو/ أيار 2024، وتعدّ مذكّرتا اعتقالهما، بوصف المراقبين، “سابقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي”، كونها أول مرّة يواجه فيها مسؤول إسرائيلي اتهامات خطيرة من هيئة قضائية دولية، بخصوص الإجراءات التي يتخذها ضد الفلسطينيين. وقالت المحكمة إنّ قبول إسرائيل باختصاص المحكمة غير ضروري، بسبب “وجود أسباب منطقية للاعتقاد أنهما ارتكبا جرائم حرب، وأنّ ثمّة أسبابا منطقية تدعو إلى الاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت أشرفا على هجمات على السكّان المدنيين في قطاع غزّة، تشمل: “استخدام التجويع سلاح حرب والقتل والاضطهاد و”غيرها من الأفعال غير الإنسانية”.
استقبل الراي العام والمنظمات الحقوقية وكل المعنيين بحقوق الإنسان هذا القرار التاريخي بترحيب كبير، فخطوة مثل هذه كانت مطلوبة وضرورية، ويُقدّر لقضاة المحكمة أنهم اتخذوها، رغم الضغوط الكبيرة التي مورست عليهم، خاصة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، والحملة الدعائية الهستيرية من آلة الدعاية الصهيونية ومناصريها، ومن هذه الزاوية بالذات بوسعنا قراءة بعض ردود الفعل الدولية، خاصة الأميركية منها، بوصفها دليلاً ساطعاً على ازدواجية المعايير، فحين رحّبت عواصم كثيرة، في مقدّمتها واشنطن، بقرارات اعتقال الرئيس الروسي بوتين ووزير الدفاع الروسي السابق شويغو، مثلاً، من قبل المحكمة ذاتها، ثارت ثائرة واشنطن ضد قرار المحكمة باعتقال نتنياهو وغالانت، علماً أن ما اقترفه الاثنان، وما يزالان، من جرائم وفظائع في غزّة ولبنان واضحة وجليّة، ولا تقارن بما جرى في أوكرانيا.
أحد الأبعاد المهمّة في هذا القرار أنّه وجّه ضربة للسردية الصهيونية الزائفة إن إسرائيل دولة ديمقراطية، تملك قضاءً مستقلاً ونزيهاً، فالقرار يُظهر أن المحكمة لا تثق في ما يزعم أنها ديمقراطية إسرائيلية، مما اثار ردة فعل غاضبة في أوساط الطبقة السياسية في تل أبيب، بعد أن اعتقد قادتها أنّهم محصّنون ضد أي مساءلة دولية، فأصبح أهم وجهين ضالعين في مجازر غزّة مجرمي حرب مطلوبين للعدالة الدولية، ما يوقع حلفاء إسرائيل في الغرب في مأزق كبير في التعامل مع قرار المحكمة التي أرادوها أداة ضد خصومهم فقط.