على وقع بيان 16 جمعية ومؤسسة أهلية

0
7

لنردّ لمجتمعنا المدني دوره

لا يمكن لأحد أن ينكر أهمية ودور مؤسسات المجتمع المدني في أي دولة، هذه المؤسسات التي تشمل هيئات ونقابات واتحادات وجمعيات سياسية وحقوقية وتنموية وشبابية وفنية ونسائية وخدمية وخيرية وتعاونية ورعائية وغيرها، نحن هنا لا نرى حاجة لإثبات ذلك والاستفاضة في الحديثين واقع مؤسسات المجتمع البحريني، ذلك معروف والمعروف ليس بحاجة إلى تعريف، يكفي القول إنه واقع لا نستطيع أن نخفي شعورنا بالأسى حياله، والحقيقة أنه أسى مركب: مرةً لأن كثيراً، إن لم يكن معظم هذه المؤسسات حالها لا يسرّ، حيّة رسمياً وميتة سريرياً، ومرةً ثانية لأن الكلام الرسمي حول وضع هذه المؤسسات كأنه يبشرنا بأنها تعيش أزهى عصورها، ومرة ثالثة ان هناك عزم لا ينطفئ لمجموعات من أعضاء هذه المؤسسات يحاولون تجاوز ما هو محبط للهمم ودرأه بما في مقدورهم القيام به من وسائل.

لعلّ البيان الصادر عن 16 جمعية أهلية في البحرين هو إحدى الوسائل المشروعة، لا يسع احد أن يلوم مت أصدروه، فهو صادر بدراية فائقة بما آل اليه وضع معظم مؤسسات مجتمعنا المدني، وصادر بمنطق الضرورة الذى يستوجب النظر في التراكمات في المعرقلات التي باتت تواجه هذه المؤسسات، وضرورة سرعة الانتباه والمراجعة والتصويب، والبيان المشترك عبّر بشكل أو بآخر عمّا نال هذه المؤسسات وما قد ينالها ويعرقل أعمالها، ويثير لديها الهواجس التي يغلب عليها طابع الخوف من إضعافها وعرقلتها عن تحقيق أهدافها كما يجب، ولا يجعل الحيوية تدبّ في صفوف أعضائها، والأسوأ حين تجد بعض هذه المؤسسات منكسرة، في حال بائس بكل معنى الكلمة تبتلع المرّ وتختزن الإحباط وترضى بالمقسوم، وجمعيات كما لو أنها في “غرفة العناية الفائقة”، أو حيّة رسمياً وميتة سريرياً، قدم في الدنيا وأخرى في القبر، والمؤسف أولاً أن هذا أمر من شدة وضوحه لم يعد بحاجة إلى شرح أو اثبات، والمؤسف ثانياً أن هذا الوضع لم يخضع من الجهات الرسمية للتشخيص وجدية التناول.

أبدت الجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، في بيانها المشار إليه، امتعاضها ومعارضتها لتعديلات على قانونٍ يخصّها، وتحديداً على القانون رقم 21 لسنة 1989 بشأن الجمعيات والأندية الاجتماعية والثقافية والهيئات الخاضعة الخاصة العاملة في ميدان الشباب والرياضة والمؤسسات الخاصة، وأكدّت في هذا البيان على أن التعديلات المعنية جاءت مخالفة لتوقعات المجتمع المدني ومؤسساته، إذ منحت الوزارة المزيد من صلاحيات التدخل والتحكم في عمل الجمعيات والمؤسسات الأهلية، والى جانب ذلك أعطت الوزارة الحق في إقالة رؤساء وأعضاء مجالس ادارات الجمعيات الأهلية بقرارات مباشرة من الوزير المختص وبدون تبيان نوع المخالفات!

  وفي الوقت الذى أكدت فيه تلك الجمعيات والمؤسسات على أهمية تعديل القانون المذكور الذى مضى على تطبيقه اكثر من 34 عاماً، أبدت معارضتها للتعديلات الجديدة المقترحة من وزارة التنمية الاجتماعية دون أخذ رأي المجتمع المدني والنظر في مرئياته، ورأت أن التعديلات المطروحة ستقود إلى المزيد من المصادرة والتضييق على الجمعيات الأهلية، وفي الوقت الذى أشار فيه البيان إلى اجتماع وفد من الجمعيات المعنية في 31 ديسمبر الماضي مع وزير التنمية لتبيان أوجه الاعتراض على تلك التعديلات، حيث قدّم الوزير، وفق البيان، تطمينات تحت زعم بأن هناك تدرج في تطبيق التعديات المقترحة، فيما اكدت الجمعيات بأن التشدد وممارسة الضغوط على العمل الأهلي أمر يفرغ العمل التطوعي من كوادره ومحتواه المجتمعي، ويبقى تلك القرارات المنفرة والمدمرة سيفاً مسلطاً على الجمعيات والمؤسسات الأهلية والعاملين فيها .

لا نعلم ما إذا كان بمقدور اللجنة الأهلية التي تشكلت من تلك الجمعيات، وأعدّت مسودة بشأن تعديل قانون الجمعيات، ودعوتها إلى تفاهمات وحوارات مستمرة وبناءة بين الطرفين الرسمي والأهلي ومطالبتها بالاجتماع مع ممثلي مجلسي النواب والشورى، بهدف فتح حوار هادئ وهادف معهم من أجل التوصل إلى ” قانون عصري للجمعيات الأهلية يشجع ويدعم العمل الأهلي بكافة مستوياته ويساهم في استقطاب المزيد من المتطوعين والمبدعين لصفوف وميادين العمل الأهلي المختلفة ويعزز مبدأ الشراكة المجتمعية بين القطاعات الثلاثة الحكومي والخاص والأهلي، ويعزز أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة”. لا نعلم ما إذا كان ذلك سيوقف تلك التعديلات المخالفة فعلاً لتوقعات المجتمع المدني ومؤسساته والمثيرة لهواجس ومخاوف واعتراضات وخضات وتقلبات وتراجعات تجعل الجمعيات والمؤسسات الأهلية أكثر عرضة للهشاشة والمراوحة والجمود، ولعل تلك الندوة التي عقدت مؤخراً في جمعية نهضة فتاة البحرين حول التعديلات والتي تحدث فيها المحامي وعضو المنبر التقدمي محمود ربيع بداية لحراك أهلي يصب في سياق اعتراض المجتمع الأهلي على التعديلات السلبية وعلى كل ما يضيّق الخناق عليها ويحد من العضوية فيها.

إن ملف واقع جمعياتنا ومؤسسات مجتمعنا المدني يفرض التوقف عنده ملياً فهو يعنى ضمن ما يعنيه أن هناك خللاً في مسيرة هذه الجمعيات والمؤسسات يتطلب مراجعة وتصويب بهدف النهوض بواقع هذه المؤسسات، فذلك سيكون انجازاً نتباهى به، نحن الذين اعتدنا التباهي بالإنجازات على كل صعيد، انجازاً يرتكز على قناعة بأنه من الخطأ الفادح التقليل من شأن المجتمع المدني ومؤسساته ودوره في صناعة التغيير الإيجابي والمستقبل الواعد لا أن نقيّده ونضع قيوداً ومعرقلات تشين واقعنا حالياً ومستقبلاً.