الهوية ودورها في حياة التنظيم

0
13

الهوية تجيب على سؤال: من نحن كتنظيم سياسي؟، أي السمات الرئيسية للتنظيم  وما يميزه عن غيره من التنظيمات المماثلة. والهوية تتكون من ثلاثة عناصر أو أبعاد مهمة وهي الايديولوجية، أي السمات والمعتقدات الفكرية والثقافية الجوهرية للتنظيم، وثانياً التميّز، أي السمات التي يميز بها التنظيم نفسه عن غيره من التنظيمات، وثالثاً الاستمرارية  وتعني تاريخ التنظيم الذي يشكل جزء جوهرياً من هويته علاوة على قدرته على الثبات والاستمرار في الحاضر والمستقبل.

إن ميزة الأيديولوجية التي يتمسك بها التنظيم هي في كونها تسهم في فهم التنظيم لنفسه ولمهمته الاساسية وأولوياته وفي توجيه ممارساته وأنشطته وانشطة أعضائه. فنحن كمنبر تقدمي مثلاً، تميزنا عن غيرنا من التنظيمات، الإيديولوجية التي نتبناها كوننا تنظيمأً سياسياً يتبنى المنهج العلمي المادي الجدلي والتاريخي في تحليل الواقع وفهمه، ويستلهم كل منجزات العلوم والتراث العربي الإسلامي والإنساني التقدمي وأفكار التنوير والحداثة  والتقدم.

أما فيما يخص صفة التمييز فهو ما يميز بها التنظيم نفسه عن غيره من التنظيمات المماثلة من سمات والتي تساعد أعضائه على إدراك لشخصيته وتسهم في أن تكون جاذبة ومؤثرة، مقارنة بالتنظيمات الأخرى، فما يميز  شخصيتنا كمنبر تقدمي عن غيرنا من التنظيمات التي تعمل على الساحة يكمن في كوننا تنظيماً يتسع لجميع المواطنين من النساء والرجال دون تمييز بسبب العرق أو الجنس أو المعتقد الديني الساعين لبناء المجتمع الديمقراطي والمساواة والعدالة الاجتماعية، والنهوض بالأوضاع المعيشية لجماهير الشعب الكادح وتأمين متطلبات العيش الحر الكريم لها.

 أما عنصر الاستمرارية فيعني تاريخ التنظيم الذي يشكل جزءً جوهرياً من هويته وقدرته على البقاء والاستمرار وفي شحذ جهود اعضائه لبدل ما في وسعهم لبقاء التنظيم واستمراره من خلال تحقيق أهدافه تجاه المجتمع وعلى قدرته على التكيف مع التطور ومع المتغيرات، فنحن في المنبر التقدمي كجمعية سياسية تأسست في 14 / 9 / 2001 امتداد تاريخي، سياسي وفكري لجبهة التحرير الوطني البحرانية والتي نحتفي في هذا العام 2025 ، في الخامس عشر من فبراير منه، بالذكرى السبعين لتأسيسها .

وللهوية أربعة عناصر أو محددات، تسهم إذا ما تمّ الالتفات إليها في تفعيل هوية التنظيم، وهي أولاً الدور المنوط بقيادة التنظيم القيام به، وثانياً إيديولوجية التنظيم وثقافته، وثالثاً تمسك أعضاء التنظيم بثقافة التنظيم وتخلقهم بأخلاقه، ورابعاً تواصل التنظيم  مع الجماهير وما يرسمه لنفسه لديهم من صورة ذهنية عنه، فقيادة التنظيم تلعب دوراً أساسياً في تقديم هوية التنظيم للجماهير، خاصة إذا كانت هذه القيادة تمتلك قدرات تؤهلها في تحديد معالم هوية التنظيم لدى الجماهير ولدى أعضاء التنظيم مما ينمي ويقوي الانتماء لديهم ليأتي سلوكهم منسجماً مع سلوك وممارسات وتصرفات قيادتهم .

أما ثقافة التنظيم وإيديولوجيته، والقيم والمعتقدات وطرق التفكير المشتركة بين أعضائه فهي تشكل الجانب النفسي والعاطفي من الهوية، فهي تعزز الهوية الفردية واعتزاز العضو بانتمائهإلى تنظيمه وتقوي  لديه الالتزام تجاهه.

يرجع توسم اعضاء التنظيم بثقافة التنظيم وتخلقهم بأخلاقه وتعريف أنفسهم بما يعرفه التنظيم عن نفسه، إلى عاملين أساسيين، هما العامل المعرفي والعامل الوجداني، فالأول يعكس كم الاهتمام المشترك بين التنظيم والعضو عندما يرى العضو نفسه عنصراً نموذجياً في التنظيم، ومصيره مرتبطأً بمصيره  أما العامل الثاني فهو متعلق بمشاعر الفخر بالانتماء للتنظيم  والإحساس بالتقدير من قبل هذا التنظيم، ويرجع ذلك إلى تكوّن صورة إيجابية لديه عنه.

أما بشأن عملية الاتصال بالجماهير والترويج للتنظيم، فتتعلق بالأنشطة والبرامج التي يجب على التنظيم القيام بها لتحقيق أهدافه ولتكوين صورة طيبة لدى الجماهير عنه وعن سياسته  ولإزالة اي تشويه لصورته لديها، وذلك لا يتم إلا من خلال التحليل والتخطيط والتنفيذ والرقابة على هذه البرامج والانشطة،  ولا يعني الترويج للتنظيم إخفاء التنظيم هويته الحقيقية التي ينظر بها إلى نفسه بل يجب أن تتوافق الصورة الذهنية الداخلية للتنظيم مع الصورة الخارجية له .

وتواجه هوية التنظيم مشاكل تؤدي إلي انخفاض قدرته على العمل وعلى المنافسة ويرجع ذلك إلى عدد من الأسباب قد يواجه التنظيم كلها أو بعضاً منها. ومنها ضعف استيعاب أعضاء التنظيم لبرنامجه الفكري والسياسي، بسبب ضعف الإعداد، ومنها ما يرجع إلى ضعف ونقص الإمكانيات البشرية والمالية، ومنها ما يكون متعلقاً بالثقافة السائدة في التنظيم التي قد تعيق من حرية التفكير والتجديد وبالتالي تؤدي إلى ضعف القدرة على فهم الواقع والتأثير فيه بشكل أكثر فاعلية، ومنها ما يرجع إلى عدم الأخذ بالعلم والتخطيط في تسيير عمل التنظيم مما يجعله عرضة للعمل العشوائي وردة الفعل، وأخيراً قد يكون بسبب ضعف إشراك القيادة للأعضاء في صنع القرار مما يضعف لديهم روح الانتماء والإندماج في التنظيم.

إن أهمية الهوية تكمن في صلتها الوثيقة بعمل التنظيم، فلا يمكن ان تكون هناك قيادة فعاله ولا يمكن أن يكون هناك تطوير من دون الفهم لهذه الهوية، لأنها هي التي تعزز من السمات الجوهرية للتنظيم وقدرته على إدارة الازمات التي تواجهه، وتساعده على أن يكون أكثر جاذبية وتنافسية.